آراؤهم

“صِلعان وحاطين جَل”

في ٦٢ عندما أسس الدستور وتحولت الكويت الى دولة مؤسسات وديمقراطية يحكمها دستور أنجبت معها نظاما هجينا مبنيا على المحاصصة، دمجت نظامين تحت نظام واحد حيث جمعت بين النظام الجمهوري والنظام البرلماني؛ بمعنى أكثر واقعية نظام جمهورية الشيوخ وبرلمان شعبي.

فمن حيث الشكل، لا يخضع التشكيل الحكومي لمشاركة أو استشارة برلمانية “ملزمة”، وبين شعب وأقطاب ونفوذ يختارون ممثليهم في البرلمان للمراقبة والمحاسبة والتشريع وتحقيق أهدافهم المرجوة.

من حيث الشكل كان الكيان المؤسسي جيد وبداية جيدة لنمو العملية الديمقراطية، لكن من الناحية العملية كانت يملؤها الصراع والتناحر وتجارب سيئة، لكن فكرة تصارع الأضداد أمر متوقع. فخلال ٦٠ عاما تصارع الديموقراطيين وحلفائهم ضد الشيوخ وحلفائهم حول بقاء الديمقراطية أو بقاء المشيخة حتى توسعت الامكانيات والدهاء الخبيث لوأد الدستور. بعد أحداث عام ٢٠١١ وهو عام انتصار الشعب من حيث الشكل وأحد الاقطاب من حيث المضمون، بدأ عملية تفكيك الدستور نصا وروحاً، فبدأت أخطر مرحلة في تاريخ الكويت.

أخطر مرحلة في تاريخ الكويت أعخي بذلك نشر الفساد على نطاق واسع، فبدلاً من نهب جماعة ما على أموال الدولة، وسعت النطاق ليتسع للجميع، لكن تحت قاعدة ” لكل مقام مقال”، فكلاً ينهب حسب مكانته، الصغير ينهب كمية صغيرة والكبير ينهب كمية كبيرة، والحقيق” أنها ضربت قيم المجتمع وتأصلت في سلوكيات المجتمع، أو كما قالت حنه ارنت “انهم يضعون ببساطة جنبا إلى جنب مجموع الحياة الخاصة و أنماط التصرفات الفردية ويقدمون هذه المجموعة بمثابة قوانين” لكن اختلفوا مع حنه ارنت لا على تقديمها كقوانين، بل كثقافة وسلوك طبيعي واللا طبيعي أن لا تكون فاسد، أو تحت مصطلحهم “ذيب”. ضربوا عمق الدولة بنشر فسادهم وتأصيل الفساد في سلوكيات الصغار قبل الكبار، وإبعاد الكفاءات عمدا، فلا تعليم نجا منهم ولا اقتصاد بقى ولا حتى القدرة على التفكير السليم من قيادات وأجيال قادمة، فاقدين بذلك أدنى معايير التفكير النقدي والحلول، لكن جماعة “الديمقراطيين و حلفائهم” الى الان يتغنون بالدفاع عن الدستور مثل “الاصلع الي حاط جل”، متناسين بقصد أو دون قصد الآثار الناتجة من تحكم الفاسدين لسنوات على مفاصل الدولة، الدولة ضاعت وهم الى الآن يتغنون بالديمقراطية واهميتها مع التكسبات الشعبوية المدمرة لديمومة البلد اذا بقي لها ديمومة، كاسقاط القروض.

وضع كارل ماركس أهم قوانين الديالكتيك “نفي النفي”، “صراع ووحدة الأضداد” ، “تحول الكم الى كيف” ، ففي المشهد السياسي لا يمكن بقاء الشي كحاله، فدوام الحال من المحال، فالصراع والتفاعل في المشهد السياسي يؤدي حتماً الى النفي وخلق حالة جديدة بمشهد جديد في المستقبل، وهي مبنية على تراكمات تجارب كثيرة تؤدي الى تغيرات جذرية لخلق واقع جديد مختلف، خرج من رحم المعاناة وآلام التجربة.

أعني بذلك في ما بدأت، نظامين تحت نظام، احداهما سيلتهم الآخر، إما انتصار دولة المشيخة وتسقط دولة الدستور، أو انتصار الدستور، لكن في تصوري أن هذا الصراع مستمر الى أن تهدر أموال الدولة ويسقط الاقتصاد والاحتياج العالمي للنفط، هنا ستأتي طبقة جديدة غاضبة متألمة متراكمة همومها ومعاناتها فتخلق واقعا جديدا بنفي الاضداد السابقين، كالثورة الفرنسية عندما خلقت واقعا جديدا بنفي طبقة النبلاء والملكية، وبروز البورجوازية.

على الهامش:
لا أتمنى أن نصل الى هذه الحالة لكنها أقرب الى الواقع، وضريبتها عالية ما دام العقلاء مغيبين عن إدارة البلد.
علي الغتر

أضف تعليق

أضغط هنا لإضافة تعليق

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.