دائماً الإنسان يختلف عن ما عداه من الكائنات الحية الاخرى بتكريم الله له بالعقل المنظوي بكل تأكيد على مراكز معتبرة ومهمة للفكر والتفكير ومراكز حقيقية وفعالة لاتخاذ القرار الضروري واللازم لكل موقف على حده ، والتمييز بين الاشياء والامكانية الحقيقية للتكيّف والمرونة اللازمة للتعامل الامثل حسب المقتضيات المفترضة والتوازنات المحتملة واخضاع الخصوصية الشخصية للموجبات العمومية أحياناً أو العكس بالعكس صحيح في احيان اخرى باخضاع الامكانات العامة لخدمة ومساعدة وتنمية القدرات والمصالح الخاصة ، في حالة من الديناميكية المصلحية الحقيقية والموضوعية الصحيحة والمنطقية.
لذلك استطيع القول أن اي مسار أو مناخ يحتوي على مجالات الأفكار أو منابع الفكر وما يصاحبهما من تفكير لايجب ان يحاكم بالرفض والتكذيب أو ( التكفير ) ولا حتى بالقبول والتصديق أو الايمان قبل مناقشته وتقليبه على كافة أوجهه المحتملة
فالحوكمة والحكم على الاشياء تحتاج ادوات وقياسات وابحاث وتحليلات متجردة وموضوعية معتبرة وجادة وحقيقية قبل اصدار الاراء حولها
(ملاحظة)
أنا لا أعني بمفردة ( التكفير ) الواردة في الفقرة أعلاه المفهوم الشرعي الشائع للمفردة وإنما اعنيها بجوانب أخرى سآتي على شرحها لاحقاً بإذن الله
لأنني أجد أن مفردة التكفير او الكفر لها عدة معان ليس لها أول ولا آخر ولا حصر لها ، وبعض معانيها مترادف والبعض متقاطع والبعض الاخر متضاد ومتناقض ولو اردنا الخوض بكافة تشعباتها لاحتجنا الى ابحاث تحتاج لمساحات لامتناهية من الاسطر والكلمات علاوةً على ان ما أريد قوله هنا لايحتاج كل هذه الاتجاهات والمتاهات وانما اريد تناول هذا المفهوم بهذه المفردات من جانب محدد و زاوية واحدة واتجاه معين لتعزيز وترسيخ ما أريد ايصاله من رسائل نقديّة ذاتية اعتقد انها مفيدة من وجهة نظري ، من حيث مبدأ المراجعات الفكرية الضرورية والتراجعات العمليّة المحتملة والمفترضة في حال وجود مايوجب ذلك.
الكفر بالشيء من الناحية اللغويّة و من ناحية خاصة ومحددة ايضاً ومختصة في ما اريد الاتجاه له هو معنى للجحود ونكران الشيء وعدم الاعتراف به أو عصيانه أو الامتناع عنه أو منعه وطرده أو رفضه وإقصاؤه ، هذا بشكل عام اما التفصيل أو التعميم به ايضاً فهو عميق وكثيف جدا .
دائماً الاقدام على أي شيء او حتى الاحجام عنه بلا دراسة حقيقية وتقييم موضوعي وبلا ادنى عرض له على الفكر وعدم التفكير به بشكل مهم وملائم يعتبر من الآفات العقلية ومن المخالفات العلمية والعملية الخطيرة.
ولا شك أن هذه الآفات الأخلاقيّة في جانب كبير منها هي من استدعتني لكتابة هذا المقال ، خاصةً إذا كانت هذه السلوكيات من (التكفير لتي تتم بلا تفكير) وذلك لان عدم التفكير المسبق كما اسلفت تتم اجراءات تكون بلا مراعاة لما يسبقها من حقائق واعتبارات او ماسيلحق بها من نتائج وحسابات واعتبارات ايضاً، وهذا هو مكمن الخطر الذي احاول التنبيه له والتحذير منه وهو ما أشدد عليه دائماً،
فمن جانب ادبي واخلاقي يجب احترام الذوات والعقول والجهود المبذولة او المبتغى بذلها وكذلك حفظ الحقوق لأهلها و اعطاء كل ذي حق حقه وانزال الاشياء والاشخاص في منازلها ، ويجب ايضاً منح هوامش مهمة ومساحات كافية لكل ذو فكر أو رأي لإبداء فكره ورأيه وإن كنّا نختلف معهوالدفاع عن حق الكل في النقاش حول جميع الافكار الجادة والحقيقية وعدم الوصاية على الافكار ومسارات التفكير لان الاصل في الفكر هو منحه للتداول وليس منعه من التداول واشدد ( المنح وليس المنع )
للأسف فنحن كعرب أو كأعراب تسيطر علينا الثقافة العشائرية الرعوية البدوية ، وهي ثقافة صحراوية متأثرة بقساوة وصرامة الصحراء وجدبها وفراغها الكبير ، وفي جوانب اخرى بساطتها الفكرية وسذاجتها التفكيرية لذلك تجد تعاملنا مع الثقافات والآراء الأخرى بالرفض الصارم والقاسي والضدية الكاملة وبكل تجهم ومحاولة تهميشها و تسخيفها والتهكم عليها وعلى قائلها بكل تطرف ، النابعة من العصبية القبليّة المسيطرة تقريباً على كل مفاصل مراكز اتخاذ القرار لدينا.
بل اننا نستخدم كل ما أوتينا من قوة للنيل من كل مخالفينا وإن كان هذا الاختلاف بسيط وسطحي أو حتى جزئي ونسبي ونتعمد التربص به وبرأيه ومحاربة أفكاره ومحاولة وأد كل مسعى لإلتقاء الافكار ووجهات النظر مع الآخر
و باعثنا الثقافي النابع من ذواتنا ومدى وعينا وإدراكنا هو الانحياز التأكيدي ، بحيث نحاول تجيير كل شيء و أي شيء لتأكيد فكرتنا ورأينا وإن كنّا على الخطأ وخصمنا على الصواب
تتملكنا المقولة الجاهلية الشهيرة ” كذاب ربيعة ولا صادق مضر ” بكل أسف ولا نعترف لا شكلاً ولا جوهراُ ولا ضمناً وعلنيّةً بالمقولة العقلية المنطقية الخالدة للامام الشافعي رضي الله عنه
الذي يقول فيها : “كلامي صواب يحتمل الخطأ وكلام خصمي خطأ يحتمل الصواب ”
الاحتمالية النسبية المتأرجحة بين الخطأ والصواب أو بين الصواب و الأصوب منه غير موجودة في مخيلة العقل العربي التقليدي وغير مسموح حتى بالنقاش حول هكذا افكار بكل أسف
وهذا الامر هو مؤدى طبيعي وترجمة حقيقية للوصول الى خانة سلبية ونقطة مميته جدا تتملكنا خلالها
عملية الحكم المسبق على كل شيء وعدم الايمان او القبول في النصح والنقد والتجديد والتطوير والتغيير لما توارثناه من افكار وتراث ومعتقدات وبطبيعة الاشياء فان الحكم المسبق لدينا على الاشياء هو كارثة عقلية كبيرة ونفسية عميقة جداً نمارسها باستمرار واستمراء مثير للشفقة ، يضرب بكل قسوة تشبه قسوتنا الصحراوية
كل مانحاول تزييفه وتدليسه من مشاعر ندعي بها استيعاب واحترام الآخر أو احترام آراءه
و يغلق كل مدخل أو مخرج موضوعي يرتجى في مثل وضعيات الاحتدام الشديد لحالات التنافس بين الافكار او مجرد الحوار في ما بينها
وبلا أدنى شك هو مجهظ حقيقي لكل محاولات التلاقح والتلاقي الفكري بين الحضارات والثقافات والآراء المختلفة وهو معول هدم ينسف كل المحاولات و الحالات البنائية بين الأطراف المختلفة ويقطع كل جسور التواصل المرجو والمأمول بين النظراء والمتناظرين.
ونحن عندما نصر على الفكر ومحاولة ترشيده ذلك لأنه هو المرتكز الاساسي والمؤثر الحقيقي في كل النتائج المحتملة والمتوقعة لأفعال و ردود أفعال الافراد حول جميع القضايا المثارة للنقاش
وذلك ايضاً لان هناك معطيات وموجبات تحتم ذلك التوجه انطلاقاً من القاعدة الذهبية التي تقول :
أن سلوك الانسان وليد فكره
حماد مشعان النومسي
ايميل [email protected]
تويتر @hammad_alnomsy
أضف تعليق