كتاب سبر

فإنهم يألمون

المسلمون في مشارق الأرض ومغاربها تغمرهم مشاعر الحزن والأسى والجزع لمعاناة أهالي غزة اليومية على مدار الأسابيع الماضية ، ويكاد اليأس والإحباط والقنوط يتملكهم لرؤية تكالب أعداء الأمة عليهم من كل حدب ، في مقابل مناصرة خجولة بطعم الخذلان من الأمة ، ويظنون أن هزيمة المقاومة باتت مسألة وقت. لا ريب أن غزة تعيش محنة عظيمة ، وأن مصابها أليم ، وأن أعداد الشهداء (نحسبهم كذلك) والمصابين والمفقودين مفجع ، والدمار الذي لحق بالبنى التحتية مفزع ، ونحن موقنون بأن هذا قدر قد سبق في كتاب الله ، وله سبحانه حكمة بالغة في تدبير الأمور ، لكن يجب أن لا نغفل عن حقائق دامغة بأن معاناة الكيان الصهيوني أشد وأقسى ، وهزائمه أجلٌ وأنكى ، ومآسيه أعظم وأردى.

لقد زلزلت معركة طوفان الأقصى أركان الكيان الصهيوني باعترافاته الرسمية ، وألحقت به أضرارا بالغة ، سياسيا وأمنيا وعسكريا ونفسيا واقتصاديا وإعلاميا ، نوجزها في التالي:
– تحطيم أسطورة الجيش الذي لا يقهر وانهيار سمعته.
– الفشل الذريع للمنظومات العسكرية والأمنية والاستخباراتية والتي طالما تبجّح الكيان الصهيوني بقوتها وتفوق قدراتها التجسسية حول العالم.
– معاناة المؤسسة العسكرية الهشة تمردا غير مسبوق ، واستقالات وهروب لعناصر كثيرة من الخدمة ، وخسائر ميدانية متتالية فادحة ، خاصة في قوات النخبة من الضباط والجنود والعتاد.
– انكماش ملحوظ في قوة تأثير اللوبي السياسي الصهيوني على مراكز القرارات في كبرى العواصم الغربية بعد الضغوط والحشود الجماهيرية الدولية ضد الكيان.
– الاستنجاد بالولايات المتحدة ضرب مشروع التطبيع الإقليمي مع الكيان بعد ظهوره بمظهر العاجز عن حماية نفسه ، ناهيك عن فشل منظوماتها الدفاعية والتقنية.
– تجاسر الكثير من السياسيين والفنانين والنشطاء واللاعبين والإعلاميين والمؤثرين الغربيين على الصهاينة والدعوة إلى تحرير حكوماتهم ومؤسساتهم من الهيمنة الصهيونية.
– فوضى سياسية عارمة وانشقاقات واحتجاجات كبيرة في المجتمع الصهيوني وفي ثنايا الحزب الحاكم .
– فقدان ثقة المستوطنين بحكومتهم وبقدرتها على حمايتهم وحماية مصالحهم وهروب أكثر من مليون مستوطن الى الخارج.
– إجلاء 169 ألف من سكان المستوطنات في غلاف غزة وإيوائهم في مخيمات ، كما أن معظم سكان العاصمة تل أبيب وباقي المستوطنات مختبئون في الملاجئ هربا من صواريخ المقاومة.
– خسارة الحرب الإعلامية وتهاوي سردياته ومزاعمه وأكاذيبه التاريخية أمام الرأي العام العالمي.
– انهيار وشلل اقتصادي غير مسبوق والعملة فقدت اكثر من 39٪؜ من قيمتها والبورصة في نزيف يومي مستمر .
– سحب وتجميد رؤوس أموال المستثمرين الأجانب والتي تقدر بعشرات المليارات من الدولارات.
– فقدان أكثر من 950 ألف مستوطن وظائفهم حتى الآن.
– من المتوقع أن تتعدى خسائر الكيان الصهيوني المباشرة وغير المباشرة 186 مليار دولار حسب البيانات الرسمية المعلنة.
– سيطرة الرعب والهلع والخيبة على الكيان بعد فشل مخططاته ومشاريعه في استمالة جيل
الشباب العربي والمسلم وتمييع القضية الفلسطينية في أذهانهم .

وهذا غيض من فيض ..
إن معركة طوفان الأقصى لم تكن مجرد عملية عسكرية استثنائية ، وإنما تدشين لاستراتيجية جديدة كليا في الصراع مع الكيان الصهيوني ، وتمهيد لانقلاب في موازين القوى والردع في المنطقة ، وإيذان بتحول جذري قريب في المشهد الجيوسياسي لصالح تحرير كامل أراضي فلسطين المحتلة بمشية الله تعالى.

“إِن تَكُونُوا تَأْلَمُونَ فَإِنَّهُمْ يَأْلَمُونَ كَمَا تَأْلَمُونَ ۖ وَتَرْجُونَ مِنَ اللَّهِ مَا لَا يَرْجُونَ”.

د.جاسم الفهاد