القصة لم تبدأ مع مرسوم الصوت الواحد، ولن تنتهي بإقرار الأحزاب السياسية والوصول إلى الحكومة المنتخبة، بل إن أحد فصول قصة تنضيج المجتمع لنفسه كانت يوم أن تباينت مواقف الكتل السياسية والمجاميع الشبابية ونخب المجتمع وفقهاء القانون حول مرسوم الصوت الواحد، ثم استمرت الحياة البرلمانية بعد ذلك التباين بين متعاطي معها ومحجم عنها، وليس من المجدي أن يتم استعراض ما حصل في تلك الفترة من صراعات انعكست على تهاوي في المؤشرات، وطموحات غير مشروعة أدت إل وأد طموحات وآمال مشروعة، وعيون أخذت تحدق وتنبهر بكل من يتقدم من حولها من دول المنطقة وهي لا ترى سوى الغشاوة والضبابية حين تنظر أسفل قدمها.
القصة تستكمل فصولها، فقد صدر الأمر الأميري بتعيين الشيخ الدكتور محمد صباح السالم رئيساً للوزراء في مرحلة قد وصفها الكثير بأنها أحد المراحل المفصلية في تاريخ الكويت المعاصر، فأخذ الكثير بإرسال رسائله للشيخ محمد بالتهنئة من زاوية والنصح والإرشاد من زاوية أخرى، وهذا مما لا شك فيه يعتبر من العلامات الفارقة التي تميز المجتمع الكويتي بأن لديه الحرية بمخاطبة رئيس وزرائه الذي يعتبر سليل حكام دولة الكويت وأحد وجهاء الاسرة الحاكمة فيها، وأجزم أن الشيخ محمد قد وصلته مئات الرسائل المكتوبة والشفهية منها الصريح ومنها من يحوم حول حمى المشكلات والهموم والتطلعات، وبالتالي لن أكثر على رئيس الوزراء برسالة جديدة بل أسأل الله له التوفيق بحسن الاختيار والرشد لأصوب القرار.
الشعب بمكوناته ومستوياته وتطلعاته واهتماماته هو من يقلب صفحات تلك القصة بشكل مستمر سواء كان بإرادته أم بغير إرادته، فحري بنا أن نتخاطب فيما بيننا كأفراد مكونين للشعب بكل شفافية وصولاً إلى نضج أكبر لمجتمعنا، والحقيقة التي يجب أن ننطلق منها أننا نملك كثيراً من الإرادة الفعلية في الإصلاح والتغيير رغم كل ما روجت له المكائن الإعلامية الموجهة من أطراف لا تريد لهذا البلد الطيب التقدم والازدهار، وقد كنت أستمع منذ يومين لملخص كتاب (عادات صغيرة) والذي يتحدث عن كيفية احداث التغيير في حياتنا وصولاً إلى تحقيق أهدافنا من خلال تعويد أنفسنا على ممارسة العادات ودمجها بشكل سلس دون مشقة ومقاومة كبيرة في نظامنا اليومي، وبعد العديد من التجارب الفاشلة تيقن الكاتب أن أحد أنجع الطرق وأفضلها أن يحافظ الإنسان عل عادة صغيرة بل متناهية بالصغر، ولكن يجب القيلم بأدائها بشكل يومي وتعتبر هي الحد الأدنى الذي لا يمكن الاستغناء عنه مهما حصلت من ظروف ومتغيرات، فوجد بعد فترة من ممارسته لأحد التمارين الرياضية لمرة واحدة يومياً انه في غالب الأيام يزيد عن تلك المرة إلى مرات لأن العقل قد تمرن على التقليل من حدة المقاومة والرفض للعادة الجديدة، وكذلك المجتمع ما هو إلا مجموعة من الأفراد الذين يمارسون عادات صحيحة أو عادات سيئة، وبالتالي ينعت المجتمع بعادات أفراده.
لنفترض أن الأدوار قد تبدلت، وأشرقت الشمس يوماً من الأيام على أحد أفراد شعبنا الطيب وإذا به قد أصبح رئيس الوزراء في دولة الكويت، وبدأ يفكر بتلك العادات التي يتمنى لو أن أفراد الشعب قد أخذوها على محمل الجد وأصبحت نظاماً لهم في حياتهم، فأظن أن أهم أربعة عادات يتمنى أي رئيس وزراء أن تكون في حياة الشعب هي القناعة دون ترك الطموح، والايمان بالنهج لا الأفراد، والتجرد للحقيقة لا المصلحة والأهواء، وبناء الوازع دون انتظار الرادع، وعطفاً على فصول قصتنا التي كان فيها يوماً من الأيام أن أحد أفراد الشعب قد يصبح رئيساً للوزراء وفقاً للأطر الدستورية والقانونية فإنه وحتى تكون نهاية تلك القصة سعيدة لأحدنا ينبغي أن يبدأ من اليوم بتكوين عادات مجتمعية سليمة وصحية في نفسه أولاً ثم أسرته ثانياً ثم الدوائر المحيطة به، فعملية الإصلاح والتغيير ستكون جزئية وتلامس القشور لا الجوهر إن لم تتكون عادات الإصلاح والتغيير في أفراد المجتمع، فالشيخ محمد لديه اختباره في الإصلاح والتغيير من موضعه، ونحن لدينا كذلك كشعب مشوار طويل في وضع البنية التحتية للإصلاح المجتمعي من خلال ترسيخ عادات داعمة للنضج والرشد والإصلاح.
عثمان يعقوب الثويني
أضف تعليق