محليات

تصورات حول التركيبة السكانية في الكويت

التركيبة السكانية

تعتبر قضية التركيبة السكانية من القضايا الملحة التي تحدد مصير الدول وبخاصة دولة الكويت اذ يبلغ إجمالي عدد السكان في الكويت – وفقا لإحصاءات الهيئة العامة للمعلومات المدنية – 4 ملايين و859 ألفاً و595 شخصا ويشكل غير الكويتيين ما نسبته 68 في المئة منهم، لذا هناك من وصف التركيبة السكانية ب“القنبلة الموقوتة” التي تهدد مستقبل ومصير الكويت، وطالما استفحلت هذه القضية المهمة إلى هذا الحد وأصبحت خطرا يهدد مستقبلنا، ومن الواجب التطرق إليها وطرح بعض التصورات لحلها.

المبدأ:

يجب أن يقوم المبدأ المنظم لعلاقات التركيبة السكانية على أساس التكاملية وليس التنافسية، إذ من المفترض أن يكون فهم المجتمع قائما على أن وجود العامل الوافد يعتبر مكملا للعامل الوطني، وعلينا أن نوجد عالقة واضحة المعالم قائمة على أن العامل الوافد جاء لسد نقص آني لا يمكن للعامل الوطني سده.

وينقسم النقص إلى نوعين أحدهما عددي والآخر نوعي فإذا كان لدينا الرغبة ببناء ناطحة سحاب وليس لدينا العدد الكافي من العمال لبنائها فذلك يحتم علينا االستعانة بعدد من العمال الوافدين لإتمام المشروع، أما النوعي فيتمثل في ما إذا كنا بحاجة لتشييد محطة كهربائية تعمل بالطاقة الذرية وليس لدينا الخبراء والطواقم الفنية والعمال المؤهلين للعمل في مثل هذه المنشآت مما يستوجب الاستعانة بعمال وافدين ذوي خبرات نوعية لحين إعداد العمال الوطنيين.

التركيبة السكانية والذكاء الاصطناعي:

لإيجاد اقتصاد كويتي منتج يشمل القطاعات الاقتصادية كافة ويوفر الاكتفاء الذاتي نحن بحاجة إلى مئات الآلاف من القوى البشرية وفي مختلف القطاعات الاقتصادية، ولكن يمكن تقليص هذه الأعداد إلى حدودها الدنيا بمساعدة التكنولوجيا المتطورة لا سيما الذكاء الاصطناعي اعتمادا على الروبوتات، والطباعة الثلاثية، ومنصات البيانات المفتوحة وتحليلها، وشبكات الاتصال، وانترنت الأشياء، والهواتف النقالة، وغيرها.

ونحن بحاجة ماسة إلى توطين هذه التكنولوجيا والمعرفة بها وتأهيل الكوادر الوطنية للتعامل معها والاستعانة بالخبراء الوطنيين والأجانب إذا لزم الأمر لتأهيل الكوادر الوطنية في مختلف القطاعات الاقتصادية، وإيجاد جيل قادر على الأخذ بناصية التنمية بمساعدة تكنولوجيا الثورة الصناعية الرابعة (الذكاء الاصطناعي .)
وتكمن الحاجة إلى هذه الكوادر الوطنية في انتاج تكنولوجيا حديثة تتناسب مع قيمنا الاجتماعية وتكفل الحفاظ على خصوصيتنا كمجتمعات من خلال وضع بروتوكولات تنظم وتنسق عمل هذه التكنولوجيا المتطورة وبخاصة الذكاء الاصطناعي. ولا يمكننا أن نتخلف عن ركب التطور في هذا المجال إذ أنها مسألة ديمومة واستمرارية لمجتمعاتنا، والتي بلا شك ستشهد تحولات عميقة في ظل القفزات الشاسعة التي سيوفرها الذكاء الاصطناعي في مختلف مجالات الحياة.

الطاقة المتجددة:

الاهتمام بمسألة الطاقة المتجددة لا يقل أهمية من الذكاء االصطناعي، إذ يعتمد الاقتصاد الكويتي على مورد وحيد ونابض وهو النفط الذي يسهم بحوال 95 في المئة من اجمالي المدخول القومي، وبما أن الكويت من كبرى الدول المنتجة للنفط وهي رائدة في هذا المجال يجب أن تحافظ على ريادتها هذه من خالل استغلال مصادر الطاقة المتجددة كالشمس والبحر والرياح وينبغي التفكير جديا في انشاء اكاديمية علمية لدراسة الشمس وأخرى للبحار و الرياح وسبل تسخيرها والاستفادة منها في بلد مشمس على مدار العام ويحده من شماله إلى جنوبة البحر و كذلك إمكانية استغلال الرياح فيه وعلينا تأهيل الكوادر
الوطنية والاستفادة من خبرات وتجارب الدول الأخرى في هذه المجالات.

الاستراتيجية:

لا بد من أن تقوم سياسة الدولة لمعالجة اختلالات التركيبة السكانية على استراتيجية متعددة المحاور تحمل سمات عدة إنسانية، واقتصادية، وثقافية، واجتماعية. وحين الحديث عن التركيبة السكانية علينا أن نعي أننا نتعامل مع بشر قادرين على الاختيار والمقارنة والقبول والرفض، وهذه الخصوصية تلقي بمسؤوليات عدة حين معالجتها نابعة من هذه الخصوصية إذ تحتم تلك التزامات ضرورة توفير سبل العيش الكريمة للكل، وإيجاد سبل الاستقرار وممارسة الحياة بصورة طبيعية وإيجاد بيئة عمل جاذبة وقوانين تنظيمية متطورة كما علينا تجنب التشدد في هذه النواحي لأنه سيجعل من الكويت بلدا طاردا للعمالة وبخاصة الماهرة منها.

اقتصاديا علينا أن نتجنب الاغراق للعمالة سواء الأجنبية أو الوطنية في أي من المجالات الاقتصادية فعلى سبيل المثال البطالة المقنعة للعمالة الوطنية في القطاع الحكومي وشحها في القطاعات أخرى، وهذه الاختلالات لم تنشأ من عدم وهي نتيجة لسياسة الدولة على مدى عقود من الزمن، لذا فإن معالجة الترهل في القطاع الحكومي اتخاذ خطوات انتقالية وتدريجية في معالجة مواطن الخلل وبخاصة في ما يتعلق بالحضانة الحكومية للمواطنين الكويتيين وتكديسهم في القطاع الحكومي، في المقابل يجب أن تكون هناك سياسة واضحة المعالم تكفل وتشجع انخراط الكويتيين في القطاعات الاقتصادية التي تتماشى مع التوجه الاستراتيجي الاقتصادي للدولة وتوجد لهم بيئة عمل وظروف معيشية مناسبة للعمل في تلك القطاعات الاقتصادية.

من المهم إيجاد سياسة تشجيعية قائمة على الأهمية والجدوى الاقتصادية التي تتناسب مع الاستراتيجية العامة للدولة، ومن ثم تكون هذه الحزمة التشجيعية مرهونة -وفقا لأدوات تقييم موضوعية- بالاكتفاء من جانب والانجاز من جانب آخر، كما يجب مراجعتها بشكل دوري للوقوف على مدى تلبيتها للأغراض الموضوعة لأجلها.

تنظيم التركيبة السكانية:

هناك مثل هندي يقول إن أربعة مكفوفين أمسكوا بفيل وكل منهم يقبض على رجل منه ويظن أن هذا هو الفيل ولو وحدوا الرؤية فيما بينهم لاكتمل وتجسد الفيل. هذا هو حال المؤسسات الحكومية الكويتية المعنية في وضع التركيبة السكانية في الكويت، فالكل يعمل بصورة مستقلة عن الآخر، ولو شكلت هيئة حكومية تعنى بشؤون التركيبة السكانية وتنظيمها وتكون لديها الصلاحيات اللازمة لتنفيذ الخطط في هذا الشأن لكانت النتائج واضحة وأفضل بكثير من الوضع المهلهل حاليا.

مخرجات التعليم:

لا يمكن تصور نجاح عملية تنظيم التركيبة السكانية وتوازنها دون وجود كوادر وطنية مؤهلة تأهيلاً عالياً تلبي الاحتياجات الاقتصادية المرتبطة ارتباطا وثيقا بالرؤية الاستراتيجية للدولة، ومن ثم تشجيعها على الانخراط في القطاعات االقتصادية المطلوبة، ولكي نوجد هذه الكوادر علينا أن نربط مخرجات التعليم بمتطلبات التنمية، لذا فان مسألة تطوير التعليم والنهوض به تعتبر من أساسيات تنظيم التركيبة السكانية، وكذلك فتح تخصصات و ميادين علمية جديدة بأساليب تدريس متطورة مطلب مهم للوصول إلى تركيبة سكانية متوازنة.

سياسة التشجيع:

تلعب سياسة التشجيع دورا مهما في توزيع القوى العاملة الوطنية على القطاعات الاقتصادية المهمة واللازمة لنهضة وتطور دولة الكويت، ويجب أن تكون متماشية مع استراتيجية الدولة في دعم القطاعات الاقتصادية الرامية إلى إيجاد اقتصاد منتج، ولكن علينا أن نتعامل مع هذه الحزمة من المكافآت والبدلات التشجيعية على شكل عقود مقطوعة ولفترة من الزمن محددة إلى حين توفر العدد المطلوب والطواقم المنتقاة ومن ثم تقييم العاملين من خلال الإنتاجية والتميز والابداع والرؤية ،ويلعب التقييم المستمر دورا حاسما في تحديد مدى احتياج هذا القطاع وغيره من الكوادر الوطنية ومستوى الأداء المطلوب وهل هناك ضرورة لتدعيمها أو إيقاف التعيين وكذلك تغييرها حسب الحاجة والغاية
المستهدفة.

الكفيل:

لا بد من إلغاء نظام الكفيل المعمول به في الفترة الحالية، لا سيما بعدما أفرز الكثير من العوامل السلبية التي تشكل عائقا أمام تطوير التركيبة السكانية، إذ لابد للدولة أن تكون الكفيل ويقتصر دور رب العمل على أنه المشغل، وإذا ما ربطنا ذلك بما سبق يمكن آنئذ الحديث عن بيئة صحية لتعديل وتطوير التركيبة السكانية.

معالجة التركيبة السكانية تتطلب رؤية متأنية وموضوعية تقوم على أسس إنسانية واقتصادية واجتماعية وثقافية، كما أنها مرتبطة بصورة وثيقة بالاستراتيجية المستقبلية التي تخطط الدولة، ولا بد لها أن تخضع دوريا للتمحيص والتعديل والإضافة والإلغاء، ولكن لا يمكن النكوص عنها نظرا لأهميتها لتحديد مستقبلنا وديمومة مجتمعنا.

الباحث : عبدالحكيم الرفاعي