كتاب سبر

من غشنا فليس منا

يمكن على وجه العموم تعريف الغش بأنه عملية تحايل للاستحواذ على منفعة أو منافع بطرق غير شرعية أو قانونية. والغش مستنقع الفساد ، ورأس كل خطيئة ورذيلة أخلاقية ، فهو يورث الأخلاق الذميمة الأخرى ، كالخداع والاحتيال والكذب والخيانة والتزوير والسرقة.

ويعتبر الغش آفة اجتماعية خطيرة ، تفتك بالمجتمع وتهدم قيمه ومبادئه ، وتلحق أضرارا جسيمة بأفراده ، وتهدد وتجهض مشاريع التنمية والتطوير. وعلى المستوى الفردي ، ينم الغش عن شخصية انتهازية ، تتسم بالأنانية واللامبالاة ، والقلق والعجز ، والتواكل وضعف الثقة بالنفس ، فضلا عن ضعف أو غياب الوازع الديني ومراقبة الله تعالى.

لقد ذمت الشريعة الإسلامية الغش بأنواعه وأشكاله ، وحرمته وتوعدت مرتكبيه ، كما هو ثابت في النصوص الشرعية ، بل أن بعض العلماء عده كبيرة من الكبائر. وللغش مظاهر كثيرة متعددة ، وما يهمنا في هذا المقال هو التطرق للغش في قطاع التعليم.

في الاصطلاح التربوي يعرف الغش بأنه استخدام الطلبة لوسائل غير مشروعة لإحراز مراكز ونتائج متقدمة ، للحصول على امتيازات وظيفية. وهذا يشمل الغش في الاختبارات والواجبات المدرسية والأبحاث ومشاريع التخرج ، وغيرها. لا يكاد يخلو أي مجتمع من ظاهرة الغش في التعليم ولكن بصور متفاوتة. ومجتمعنا ليس بمنأى عن هذه الظاهرة التي تعيق المنظومة التعليمية وتخل بأهدافها وغاياتها ، وتعطي صورا مزيفة عن نتائج التقويم التربوي ، وتنتج جيلا فاقدا للكفاءة والأهلية والنزاهة ، تنعكس آثاره الكارثية عندما يتبوأ هذا الجيل مناصب قيادية ويكون صانع قرار ، وتحت تصرفه موارد الدولة ، ويتحكم بمصائر ومستقبل الناس.

لذلك فإن مكافحته ومعالجته واتخاذ التدابير اللازمة للحد منه هي مسؤولية مجتمعية مشتركة ، تساهم فيها مؤسسات الدولة ذات الصلة (وزارة الإعلام ووزارة الأوقاف والهيئة العامة للشباب على سبيل المثال) ، ومؤسسات المجتمع المدني ، والمؤثرين في وسائل التواصل الاجتماعي ، وليس وزارة التربية فقط.

ولا شك أن للأسرة أيضا دور هام في الوقاية والمواجهة لهذه الظاهرة ، من خلال مراقبة وتبصير الأبناء بالأضرار الفادحة الناجمة عن هذه السلوكيات المنحرفة ، وتنمية الوازع الديني وغرس القيم الاجتماعية لديهم ، قولا وعملا ، وتعميق هذه القيم بالتعاون الوثيق والمستمر بين الأسرة والمؤسسات التعليمية والمساجد ، فهذا حري بأن ينشئ جيلاً واعياً مسؤولا وذاتي الرقابة والمحاسبة.

د.جاسم الفهاد

أضف تعليق

أضغط هنا لإضافة تعليق

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.