يعتبر العقيد القذافي شخصية جدلية ومن الرؤساء العرب القلة الذين لديهم لقاءات جماهيرية مباشرة وحضور ملموس في معظم المحافل، فهو لا يفوت فرصة أو قمة أو لقاء إلا وطرح به من أفكاره وأفعاله الشيء العجيب والمُضحك أحياناً. وبغض النظر عن وجهة نظرنا عن القذافي فهو يمتلك روحاً قيادية ويقرأ جيداً، فلقد نجح القذافي في قيادة المعركة على شعبه، وبفهمه للعقل الأوروبي إخترق معظم الدروع التي وضعتها فرنسا وحلف الناتو. لقد لعب العقيد القذافي على عدة أوتار حساسة تجاه الغرب، فلوّح وشددّ على أن الثوار الليبيين ماهم إلا مجموعات إرهابية، وأعضاء في تنظيم القاعدة، الذي يثير حساسية الغرب وكرّس إعلامه وحديثه الدائم على أن هؤلاء الثوار سينقلون تجاربهم المتطرفة والعنف إلى ليبيا وبالتالي إلى الساحل الشمالي للبحر الأبيض المتوسط. وأيضاً ركّز العقيد القذافي على الهجرة الغير شرعية إلى الدول الغربية عن طريق البحر الأبيض المتوسط، وهو هاجس كبير للدول الغربية وما يتبعه من تبعات مادية وأمنية، فلقد كانت ليبيا حائط صد لهذه الهجرة الغير مشروعة للدول الغربية، وحينما بدأت الأزمة الليبية رفع العقيد القذافي يده عن هذا الملف، وهو مايؤرق الدول الغربية خصوصاً إيطاليا وفرنسا، وهذا الملف قد أثر على العلاقات الإيطالية الفرنسية وطالبت فرنسا النظر في إتفاقية الشينغن التي تسمح بالتنقل بين الدول الأوروبية، وأيضاً لعب العقيد القذافي على وتر المصالح الإقتصادية مع ليبيا والتي تعتبر المُحرك الرئيسي لهذه العملية، وأن المصلحة الغربية تكمن بوجود حل مع القيادة الليبية الحالية وليس مع الثوار أو المجلس الإنتقالي.
من المعروف أن فرنسا ليست بتلك الدولة التي تمتلك القدرة على التغيير في ليبيا دون اللجوء إلى دول أخرى ودون اللجوء لحلف الناتو، وهي حتى على المستوى السياسي لا يملك تاريخها الحديث أية مواقف ثابته فالساسة الفرنسيين يملكون من العهر السياسي ما لايملكه الآخرون. فرنسا التي كانت تعول على التدخل الأمريكي في ليبيا وهي الكفة القوية وجدت نفسها تقود حرباً أهلية وهي لاتستطيع إدارة هذه الحرب بشكل فردي ولاتستطيع مساندة الشعب الليبي بصورة واضحة وعلى الأرض.
منذ ثلاثة أشهر قصف حلف شمال الأطلسي أول أهداف الحكومة في ليبيا وبالتحديد منذ يوم 21 مارس ومنذ تلك اللحظة إلى هذا اليوم لم نرى أي تقدم على الأرض، ولكنه تسويف وإقتتال وحرب كر وفر ولم يحقق الثوار ولا كتائب القذافي أي نتيجة حاسمه سوى سقوط بنغازي بيد الثوار وهي ساقطة مسبقاً بيد المعارضين للعقيد القذافي لأنها كانت دائما المُؤرق الحقيقي للقيادة الليبية.إن التحالف الغربي بقيادة فرنسا لم يفلح بتحقيق نصر عملي على الأرض بل حتى المجلس الإنتقالي بدأ يطالب بدعم مادي ولم يصله هذا الدعم الذي وعدت به فرنسا والدول الأوروبية. وما يلفت النظر وهو التصدع الأكبر في التحالف الغربي وحلف شمال الأطلسي إذ دعى وزير الخارجية الايطالي فرانكو فراتيني الى وقف فوري للقتال في ليبيا والسماح بوصول المساعدات الإنسانية الى المدنيين وبعد هذا الإعلان فازت الحكومة الإيطالية بثقة مجلس النواب بعد أن كان هنالك إقتراع على الثقة وقدمت مشروع للتخفيضات الضريبية ووضع حداً للحملة التي يقودها حلف شمال الأطلسي على ليبيا بقيادة فرنسية ومشاركة إيطالية فاعلة وإستخدام الأراضي الإيطالية لضرب كتائب القذافي.
? وحسب ماتذكره التقارير العسكرية أن تسعين في المئة من الضربات الجوية لحلف الناتو وعمليات فرض منطقة حظر الطيران تأتي من القواعد ومراكز القيادة في إيطاليا، وإن إنسحاب إيطاليا من هذه الحرب سيهز بشدة جهود الحرب كلها ضد العقيد معمر القذافي، وستضطرفرنسا لمواصلة ضرباتها الجوية من حاملة الطائرات الفرنسية شارل ديغول وأيضاً ستضطر بريطانيا لإستخدام قواعدها الجوية في قبرص. وستعرقل هذه العملية آفاق النصر على نظام القذافي وبشكل خطير.
إن من سينقذ عنق السياسة الفرنسية وتحالف شمال الأطلسي هي الولايات المتحدة الأمريكية , وهي الفرصة الوحيدة المتبقية لدى حلف الناتو وفرنسا لإنجاح أي هجوم عسكري جديد مماثل لما قامت به الولايات المتحدة في الأسبوعين الأولين من الحملة متمثلة بإستخدام لصواريخ توماهوك والقصف الجوي المكثف. ولكن البيت الأبيض يواجه معارضة ساحقة في الكونغرس الأمريكي تمنعه من أي تورط عسكري أمريكي في ليبيا خصوصاً بعد التراجع الملحوظ في أفغانستان والجلوس مع حركة طالبان التي كانت العدو الرئيسي للولايات المتحدة، وأيضاً الإخفاقات في العراق. ومنع الكونجرس الأمريكي إستخدام أموال أمريكية لنشر أو تمركز أو إبقاء عناصر من القوات المسلحة الأمريكية أو من شركات خاصة متعاقدة على الأراضي الليبية. وهذا المؤشر يدل على أن فرنسا ستبقى وحيدة في الحرب مع العقيد القذافي ولن يكون هنالك أي تعويل على الموقف البريطاني المتلون دائماً والذي يواكب السياسة الأمريكية ويحاكيها. بالإضافة إلى أن الدول الأوروبية تعاني من أزمة إقتصادية حادة وهنالك تراجع غير صحي في منطقة اليورو وهذا مايدعو بعض الدول لإعادة حساباتها مرة أخرى في دعم الحرب على نظام العقيد معمر القذافي.
http://twitter.com/#!/HassanAlfadli
أضف تعليق