سمو الرئيس.. اثنان وعشرون سنة مرت
سلطان المهنا العدواني
من منا لا يعترف بطيبة سمو رئيس مجلس الوزراء الموقّر، ومن منّا لا يعرف سمو أخلاقه العالية، قد نختلف علي الأداء الحكومي البطيء جداً وقد لا يعجبنا التساهل والانفلات الأمني والازدواجية في تطبيق القانون، ولكننا علي جميع مشاربنا لن نختلف أبدًا على أن سمو الرئيس سامي الأخلاق والأدب لدرجة كبيرة جدًا، تجبر حتي من يختلف معه علي احترامه.
سمو الرئيس أخاطبك مباشرةً بكل الاحترام الذي تستحقه، ليس رغبة في منصب ولا رغبةً في التقرّب إليك أبدًا، فمكانتك عندي ليست محل نقاش، وأنت تعرفني جيدًا بأنني لست ممن يحتاج لمسح الجوخ، بل تربيت علي حب هذا الوطن الغالي وحب هذه الأسرة الكريمة من قبل رجل كريم عرفه وقدَره كبار الشيوخ قبل صغارهم، وهو والدنا الغالي رحمه الله.
سموالرئيس أتذكر عندما قدر لي أن أكون ملازمًا لك في أحلك الظروف أثناء الغزو العراقي الغاشم، وكنت وقتها وزيرًا للإعلام، وقد كنّا نتنقل من منزل إلى منزل وأنت ترفض مغادرة الكويت، مصممًا علي البقاء رغم الأخطار الكبيرة التي تحيط بنا جميعًا، أتذكّر حكمتك وشجاعتك ورباطة جأشك الرائعة، والتي لم يعايشها ولم يعلمها سواي أنا والأخوة الذين رافقونا في تلك الفترة.
كنت ترى وتقرأ الأحداث وتتوقعها بدقّة وتعلق عليها، ونحن نستمع منبهرين من قراءتك للأحداث، ولم تشك لحظة واحدة بعودة الكويت وانتصارها، وأنها سوف تُبني بسواعد أبناءها من جديد وستكون أجمل بلاد الدنيا.
(لم يفرط بها أجدادنا عندما كانت شوكا ولما أصبحت وردة لن نفرط بها نحن).. لن انسى هذه الجملة الجميلة ما حييت.
وهذا أنا استعيد بعضًا مما يجب أن اذكره للمرة الأولى، منذ اثنين وعشرين سنه مرت وكأنها البارحة.
جابر المبارك من طينة الشيوخ الكبار الذي لا يلتفت لصغائر الأمور أبدًا، ودائمًا تجده يترفع عن الدخول في المهاترات والمساجلات غير المجدية، ولهذا صنف بأنه من أصحاب مذهب التحاور والهدوء، وأن الامور لا تحل بالعناد والأصوات العالية.. بل بالحوار والإقناع.
الأمنيات كثيرة والطموح لا يتوقف عند حد معيّن، وكل من يحب هذا البلد الطيب يتمني أن يجده في أفضل حال، ولكن ليس بالأماني تبني الدول، ولا برفع الأيدي والدعاء فقط يحفظ الله الكويت، بل هنالك عزم الرجال وجزم صناع المستقبل ومن يجب أن ينكر ذاته ويشمر عن ذراعه للعمل من أجل الكويت التي نتمناها.
يعلم سموك كما يعلم أي مواطن مخلص بأن العلّة باطنيه والبلد مريض ومنهك ويجب أن لا نكابر، والمريض علاجه لا يأتي بالدعاء ولا بتوفير العطايا والهبات بين الحين والآخر، بل يبدأ العلاج بوضوح التشخيص ومعرفة الأسباب الحقيقية للمرض ثم وضع العلاج المناسب له، ومتابعة الحالة حتي يشفى من المرض.
اعزم وتوكل علي الله يا بوصباح وحاسب المخطئ بقرارات صارمة فورية، وكافئ المجد أمام الملأ ليعرف الناس نواياك الطيبة في العمل من أجل الإصلاح، نعلم أنها قرارات صعبة ودقيقة ولكنها عزيمة الرجال ومن يريد أن يخلد ذكره في التاريخ، يجب أن يقرأ المستقبل جيدًا، فأنت الآن علي رأس الهرم وبيدك الكثير من الخيوط التي تقودنا للأفضل، فالصراعات واللعب علي المكشوف أصبح واضحًا وضوح الشمس، بين الشيوخ أولًا والتجار ثانيًا والسياسيين ثالثًا.. والمتضرر الرئيسي هي الكويت وشعبها الطيب.
سيدي لتكن قراراتك الأهم أن تبدأ من الأسرة، من كان منهم يريد العمل في المعترك السياسي فأهلًا به وليتعب على نفسه جيدًا، ولتقم الأسرة بتأهيله في أرقى معاهد القيادة وصناعة القرار وإدارة الأزمات، بدلًا من النزول علي المنصب بالباراشوت، مما جعل أغلب أبناء الأسرة يعيش خلف كرسيه تحت رحمة الجمبازية والمتنفعين.
أما من يريد العمل بالتجارة والحياة العامة فليتخذ طريقه بتوفيق من الله، بدلًا مما نراه الآن من تزاوج السلطة والمال، فهم قبل ذلك مواطنين فيهم الصالح وغير الصالح، ثم تلتفت للتجار فمن أراد الاسترزاق من خيرات بلاده فهنيئا له بالقانون والحلال، أما غير ذلك فليواجه القضاء والنيابة جراء تقصيره وإهماله أي كان اسمه وتاريخ شركاته.
نعم قلبك مفتوح وباب مكتبك مفتوح، ومن له حق فعليك إنصافه، ومن عليه حق للكويت فيجب أن يدفع ثمن تقصيره، فالكويت بلد الجميع، وخيراتها ليست سبيل لكل وسيع ذمة.
سمو الرئيس إن صناعة المستقبل لا تتم بالمجاملات والتهاون في تطبيق القوانين، فالكويت ولادة للعقول المبتكرة من الجنسيّن، وليست محصورة علي فئه محددة أبدًا، نعلم أن الاختيار صعب جداً في ظل الصراعات الدائرة حاليًا، وفي ظل الشهادات المزورة والتي لاتعد ولاتحصى.
ولكنها سهلة عندما يتخذ القرار المتجرّد من المجاملة والمصالح المتشابكة من أجل بناء بلد جميل يستحق منّا أن نفديه بأرواحنا، كما فديناه في أحلك الظروف وأنت أحد هؤلاء الرجال.
سمو الرئيس يختلف معك البعض، ويتفق معك البعض ولكن الكل يتفق علي سمو أخلاقك وأدبك الجم.. مع كل التمنيات لك بالتوفيق والسداد
أضف تعليق