“نيلسون”.. فى بلاد راشد
بقلم.. فالح بن حجري
نيلسون شاب سويدى وجه حياته بارد يشبه ملامح برودة بلاده، وعروق شرايين انشغال نيلسون نزفت حتى آخر قطرة نتيجة لجريمة حصدها برصاص الفراغ القاتل المنطلق من بندقية حكومة (ما تستحى)، تفهم حلول مشاكله وهى طايره على الدرجة الأولى للقانون وبرلمان حر (ما ينتخي)، وملعون خير بالإشارة يفهم مشاريع احتياجاته ومحتاجاته والذى منه.
ولكن سبحان الله.. الأيام الفارغة ما تدوم لأحد (وجت الفكرة يا نيلسون على ما تمنى)، وقدر الله عليه ليشاهد فى التلفاز لقطة إخبارية لمسئول ما يقول أن شعبه يتبوأ أعلى المراتب فى العالم، لم يفهم نيلسون لغة المتكلّم، ولكن كلمة “تبوء” شدّته نبراتها وأركبت شدادها على ظهر مطلوبة لتكبر فى رأسه الفارغ أربعًا، ويقرر بعدها دفن فراغه والسفر إلى بلاد “أعلى المراتب” ليسأل عن سر الـ”تبوء”.
حطّت طائرة نيلسون رحالها فوق مطار أعلى المراتب، وكانت الليلة ليلة رائقة نسيمها عليل وجوها جميل وطابورها طويل وإجراءتها أطول، تحتاج إلى أعلى مرتبة وأنعم مخدّة لتداعب نعاسه، المهم أقنع نيلسون نفسه بأن التبوؤ (مخابر مو مناظر)، وربما دَارت بلاد أعلى المراتب شمعة تبوؤها لتقيّد ضد مجهول، خوفاً من الحسد، فـ”العين” و” دبى ” و” الدوحة ” حق والحرص واجب.
سار نيلسون نحو أقرب تاكسى وجده أمامه، ليدور بينه وبين السائق هذا الحوار.
نيلسون: مرحباً معاك نيلسن من السويد؟
السائق: مرحبتيّن معاك راشد من “هِنيه”.
نيلسون: هل شعبكم يا راشد فعلاً يتبوأ؟
راشد: طبعاً..طبعاً يا نيلسون، ماكلين شاربين ليش ما نتبوأ وضع طبيعى وعادى جداً.
نيلسون: وأين استطيع البحث عن سر تبوؤكم هذا؟
راشد: اسمح لى يا “بو النلس” هذ خصوصية وطنية، ويا غريب كن “عمرو أديب” وعديها واطلع فاصل.
نيلسون: لا بد أن لديكم صحافة حرّة لتصلوا إلى هذه الدرجة من التبوؤ.. أليس كذلك؟
راشد: أكيد أكيد، فتاريخ الصحافة عندنا ذو باع طويل، والدليل أن أغلب صحفنا اليوم ذوات ” باع ..باع …باع ” في كل أمورنا ولله الحمد والمنّة .
نيلسون: ما هى مكونات شعبكم بالضبط؟
راشد: شعبنا مكوّن من بدو وحضر، البدوي تلقاه يستمتع بقدح من الموكا مع الكريما في المولات، والحضري تلقاه يكيّف رأسه بفنجان أشقر مع الهيل، وهو متربّع أمام شبة الرمث فى البر، والله يعين ويفهم كلًا منهما نمط حياة الآخر ويحترم ثقافتة، قول آمين يا نيلسون.
نيلسون: ما دور حكومتكم فى هذا “التبوؤ” الحاصل عندكم؟
السائق: الحق ينقال الحكومة بيض الله وجهها حتى البيض صرفته لنا فى التموين والشعب مبسوط أبشرك “ويكاكي” ويرش الفوم فى جميع الأنحاء فرحًا بكرم حكومتة المحتوم.
نيلسون: ولمى البيض بالذات؟
السائق: شوف يا “بو النلس” شعبنا يتفلسف وايد ويخلق من حبّة “التأزم” مسيرة وندوات، فالحكومة الظاهر قالت ارمي بياضى من الآخر، وأشغلهم بسؤال شغل هو أمير المتفلسفين من قبلهم على مر التاريخ، وهو البيضه قبل أم الدجاجة، والحمد لله تم قبول نداء البيض وكل شهر نناقش فلاسفة العقلانية فى أكاديميا التموين، حول ما إذا كان الدجاج وصل أولاً أم البيض، ونظل هكذا طوال الشهر مشغولين بالمناقشة حول مسائل عدمية الدجاج ووجودية البيض.
نيلسون: لماذا شوارعكم زحمة؟
السائق: “بِنَيّتنا ” التحتية زعلانه شوي وراحت بيت أهلها من دول الجوار، وتطالب بعلها التخطيط بـ”إطلاق” التنمية وإلا ما فيه رجعة.. أمور عائلية يعني.
نيلسون: ما قصة هذا الطفل الذى يبيع الخضار عند الدوار؟
راشد: لا طال عمرك هذا مو طفل هذا بدون، الأطفال أحباب الله، وهذا حبيب اللجنة المركزية.
نيلسون: وماذا تقصد بالبدون؟
راشد: البدون هو التطوّر الثالث لنظرية داروين حسب تفسيرنا المحلي، وأحيانًا المستورد وهو باختصار ينص على أن الكائن البشري بدأ كقرد ثم تحوّل إلى إنسان ثم أصبح مَقرود، .بس لا تعلم علماء الانثروبولجيا وربعهم فى العالم عشان ما تحرق إطار المفاجئة وتروح بقضية تجمهر.
نيلسون: لا بد أن لدستوركم دور مهم فى حياتكم الأعلى مراتبية؟
راشد: “يا أيها الذين آمنوا لا تسألوا عن أشياء إن تبد لكم تسؤكم”.
نيلسون: طيب أين استطيع التحدّث إلى المعارضة لديكم؟
راشد: تلقاهم فى الدور الرابع من قصر العدل أو في “مزاين الأبل” يبحثون عن “الحِوار” الضائع، أو مشغولين بالرتويت في التويتر.
نيلسون: التويتر عالم جميل.
راشد: صحيح.. وأزيدك من الشعر بيت، تويترنا “أجمل” و”عبد الصمد القرشي” مع بعض، فكل بخور السوق السياسي ودهن عوده و”دهن سيره” منه، سواءً أكان كمبودياً أو “كان بِودى” ولكن ما حصل لي.
وصلت السيارة أخيراً إلى باب الفندق، ليترجّل منها نيلسون، مادًا يده مصافحًا راشد.. وقائلاً له: شكراً لك راشد، أعدك أننى بعد أن استريح قليلًا، سوف أواصل لاحقًا البحث عن معنى “التبوؤ” عندكم.
تبسّم راشد ابتسامة صفراء عروبية، وقال وهو ينفث دخان سيجارته الأزرق فى وجه الغروب البرتقالي: ما يحتاج تبحث يا “بو النلس”، الباب الثالث بعد “الريسبشن” على طول.
ملاحظة: يقال أن نيلسون عاد إلى بلاده بعد سنة، ونجح فى الوصول إلى البرلمان بعد أن نجح فى إجراء أول انتخابات فرعية بين الفايكنغ أو عيال السور القطبى كما سماهم، فى سابقة لم تحدث عبر كل تاريخ إسكندنافيا المكتوب.
@bin_7egri
أضف تعليق