كتاب سبر

ظاهرة الـ “ناشط سياسي”

“ناشط سياسي” مصطلح بدأ بالانتشار، وصار يستعمل في نطاق واسع في وسائل الإعلام، ويُطلق بكثرة على كل مهتم بالشأن العام، أو كل من له موقف من قضية سياسية، أو شارك في الفعاليات والأنشطة السياسية! 
نعم.. البعض ينزعج من هذا اللقب – أنا شخصيا أتحسس منه – فهو وصف غير منضبط، وأصبح أشبه بوظيفة مَن لا وظيفة له، وصار يُعطى لمن شاء دون حسيب أو رقيب، ولمن يستحق ومن لا يستحق، وهذا جعل الكثير من الذين منحوا أنفسهم هذا اللقب يتصدرون المشهد السياسي، ووسائل الإعلام، دون أن يكون لهم رصيد حقيقي من العمل السياسي ، أو يكون لهم الوعي الكافي، والدراية المعتبرة بالواقع وأصول اللعبة السياسية.
وبالتوازي مع هذه الظاهرة هناك ظاهرة أخرى صاحبت الأحداث في الكويت، وهي كثرة ظهور الحركات السياسية، والتي يظهر بعضها فجأة، ثم تختفي فجأة، دون أن نعرف لماذا ظهرت، ولماذا اختفت؟! ودون معرفة مَن هي قاعدتها الحقيقية، وما هو ثقلها في الواقع، وما هو برنامجها السياسي!
قبل تناول هذه الظاهرة بالتحليل، أظن بأن من البدهي الإشارة إلى أن حق العمل وممارسة النشاط السياسي، وحق إبداء الآراء السياسية مكفول للجميع، ولا ينبغي أن يكون ذلك محل نزاع أو اختلاف، ولكن هذه لا يعني عدم نقد ممارسة ذلك الحق، أو ترشيده وتوجيهه إلى المسار الذي يُفترض أن يسير فيه.
ربما يعتقد البعض بأن الممارسة التي أفرزت لنا ظاهرة “الناشط السياسي” أو كثرة الحركات السياسية الشكلية، تمثل شكلا من أشكال الفوضى، وعدم الانضباط، وخروجا عن أصول وقواعد العمل السياسي الحقيقي، وبصرف النظر عن صواب أو خطأ هذا الاعتقاد يجب أن نعرف ما هي الأسباب التي أفرزت هذه الظاهرة الملفتة للنظر؟!
باعتقادي أن هناك عدة أسباب لهذه الظاهرة، منها:
أولا: وجود شعور عام بدأ يتسلل لشريحة كبيرة من أبناء المجتمع بأن السلطة التي تدير شأن البلد أصبحت عاجزة عن الإدارة بشكل سليم، وأن استمرارها على هذا النهج سيقود بالبلد نحو الهاوية، هذا الاعتقاد جعل عددا كبيرا من الناس يدخلون إلى المعترك السياسي، كمحاولة لإنقاذ الوضع، والتنبيه إلى مكامن الخلل، والتحذير من الوصول إلى مرحلة الإنهيار، فدخول هذا العدد الكبير من الناس إلى الساحة السياسية هو مؤشر على عدم شعورهم بالأمان على مستقبلهم ومستقبل أبنائهم، فلو كانت الإدارة السياسية في البلد تسير بشكل سليم وآمن، لما غصت الساحة السياسية بهذا العدد من الناشطين والحركات السياسية.
ثانيا: عدم وجود قوانين تنظم الحياة السياسية، فالساحة السياسية لا تحتمل الفراغ، فإن لم يكن هناك قوانين منظِّمة فإن البديل هو الفوضى، فلو كانت هناك قانون لتنظيم الحياة السياسية على شكل أحزاب أو جمعيات سياسية تكون هي المحضن لأي ناشط أو نشاط سياسي، وتَشترِط لتأسيس التجمع السياسي عددا معينا من المؤسسين (لا يقل عن 300 شخص مثلا) وتشترط إعلان الأهداف والبرامج، ووجود هيكل تنظيمي معلن، وتقديم تقارير إدارية ومالية بشكل دوري، فلو حصل كل ذلك لما وجدنا كثرة ما يسمى بـ “ناشط سياسي” أو حركات سياسية شكلية ليس لها أي ثقل حقيقي.
ثالثا: أن أكثر التيارات السياسية التقليدة أصبحت تعاني من الشيخوخة والتكلس، وانتقلت إليها الأمراض الحكومية، ولم تعد مصدر جذب لأي شخص لديه رغبة في ممارسة العمل السياسي.
إن التذمر من كثرة وجود الحركات السياسية، وانتشار ظاهرة “ناشط سياسي” دون معرفة جذور الظاهرة، وتحليلها بشكل سليم، سيجعلنا ندور في حلقة مفرغة من التذمر، قد تستغلها السلطة لتشويه ومصادرة حق العمل السياسي..
@al_snd

أضف تعليق

أضغط هنا لإضافة تعليق

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.