للجغرافيا أحكامها، تجبرالقائمين عليها بان يعبروا الحدود الوطنية الى العمق الاقليمي، لحماية مصالح أو لاقامة نفوذ أو تعزيز دور، هذا الدور الذي اصبح مقروناً بخارطة مصالحة تملكه الدولة الطامحة للقيام به، و في الحالة الكويتية قد يصبح الدور صعبا، مقارنة بقدرات اللاعبين الاخرين و يصبح منطقيا و ممكنا أكثر إذا نظرنا إلى خلافات و تناقضات اللاعبين الآخرين.الكويت وجيرانها الثلاث (السعودية و إيران و”تركيا” أيضا) إضافة إلى الولايات المتحدة الشريك الاستراتيجي الاول للكويت وضابط إيقاع كل المتسابقين على هذه المنطقة والذي يؤمن شبكة حماية وأمان للكويت. في الجغرافيا القريبة، راقبت الكويت على مدى أكثر من عقد، نمو الدور القطري، المترافق مع تراجع سعودي، ما تحول في أحد أوجهه إلى صراع سعودي قطري ضرب بعرض الحائط المصالح الخليجية المشتركة وتجلى هذا النزاع بتقارب قطري إيراني عمق أزمة الثقة بين الطرفين وأدى إلى صراع قادَتْهُ الدوحة ضد معظم المصالح الاستراتجية والسياسية للرياض في المنطقة العربية والشرق الاوسط. ما أدى إلى خلل في موازين القوى، استطاعت من خلاله طهران أن تسجل عدة نقاط على السعودية في لبنان وفلسطين واليمن و العراق وذلك في أغلبه بغض طرفٍ قطري أربك الإجماع الخليجي عموما و السعودي خاصة.
ففي تراجع الدور الخليجي لمصلحة النفوذ الايراني في العراق و المنطقة دفع الإدارة الأمريكيه علي استدعاء تركيا بعد تعاظم دورها في الشأن العربي الاسلامي عقب حادثة حصار غزة وبروز هذا الدور في الجدل علي شكل الحكومة العراقية عبر دعمها لقائمة العراقية في مواجهة التحالف الوطني بقيادة المالكي.
أضف إلى ذلك تقبل أمريكي لنفوذ إيراني في المنطقة وخصوصا العراق.
بين موازين القوى و طموحات الجيران الثلاثة، تملك الكويت الفرصة الأقوى للامساك بخيوط الحل والربط بين القوى المتصارعة على ثروات المنطقة، سواء في الصراع الدولي بين الولايات المتحدة ودول الخليج من جهة والتفاهم القائم بين روسيا والصين وايران من جهة اخرى ، هذا الصراع يشجع الكويت الي ابراز دور جديد في الدخول علي خط الوساطات والقيام بأدوار قد تحتاجها الدول العظمي في الحد من قدرات وتوسع النفوذ للمحور الاخر فالولايات المتحده و معها تركيا يسعيان لتحجيم القدرات والتدخل الايراني في لعب دور شرطي الخليج عبر تعزيز الدور التركي الخليجي على ان يكون للكويت درو المحور بين جميع الاطراف. في هذه اللحظة و مع بروز انقره وتراجع الدوحه يُفتح الباب علي مصراعية الي الحاجه للبحث عن بديل يحظى بقبول كافة الاطراف ، فجاء دور الكويت عبر رئيس وزرائها الذي حمل اكثر من رسالة ايرانيه الي السعودية والامارات ، وهو ما جاء عبر تصريح وزير الخارجية السعودية الامير سعود الفيصل بأن ” ايران دولة جارة وان كانت تريد لعب دور قيادي فعليها مراعاة مصالح دول المنطقة وليس مصالحها ” هذا ما يعزز الاعتقاد بان الحاجه للجلوس الى طاولة الحوار لترتيب الدور المستقبلي لايران شريطة مراعاة مصالح الدول العربية في الضفة المقابلة ، وهنا تساؤل حول التحول في الموقف السعودي تجاه ايران .. هل هو تراجع امام تعاظم النفوذ الايراني..ام انه تكتيك مرحلي حتى تمر عاصفة ” الربيع العربي”ومعرفة نتائجها؟.. ام هي قراءة مستقبلية للمملكة في ارجاء الصراع مع ايران بعد دخول تركيا علي الخط ؟ ترتيبات عديدة مرتقبه سوف تشهدها المنطقة بدءا من العراق مع التمديد لبقاء القوات الامريكيه ، مرورا بافشال المحاولات الايرانية في كسب جولة مع المملكه البحرينية عبر ادعائها بوقوفها الى جانب المعارضة التي انخرطت في الحوار من اجل الوصول الي حل يرضي جميع الاطراف ، وانتظارا لم تحمله الايام القادمة حول الاوضاع في سوريا ،وما ترتبط به من ملفات لبنانيه بعد تداعيات قرار المحكمة الدولية الخاصة بمقتل رئيس الوزراء اللبناني الاسبق رفيق الحريري . امام هذا المشهد الاقليم المعقد ، تقف الكويت امام نواة لخارطة سياسية جديدة ، تعيد تشكيل المنطقة ، بغياب دور عربي وازن ، بوجه مشروع تركي مقبل و نفوذ ايراني مضطرب لكنه منجز ، حيث يحاول الطرفان الحصول على الأعتراف الرسمي او ضمني بالثوابت الجيوستراتجية التي حققها خلال هذا العقد، مستفيدين من تراجع اميركي محدود يأخذ بالحسبان الثوابت التاريخية لهذه المنطقة و غياب عربي كامل غير مبرر، ما يفسح المجال امام حراك كويتي يعوض غياب عربي عام و خليجي خاص ، تصبح الكويت معه الدولة العربية الوحيدة المؤهلة لدور الوسيط الملتزم بالثوابت العربية و المتقبل لدور دول المحاور .
أضف تعليق