أقلامهم

فيصل الزامل أن المواطن لن ينجح في سوق العمل إلا إذا اقتفى أثر الوافد

ينجح المواطن إذا كان مثل الوافد


فيصل الزامل


قارن الجهود التي تبذلها الدولة في دعم سوق العمل للشباب الكويتي بنجاح الموظف غير الكويتي في السوق نفسه، مئات الألوف من الإخوة الوافدين يجدون العمل من دون أي رعاية من مؤسسات حكومية ولا تشريعات لحفز الشركات على توظيفهم ولا هيئات وموظفين يرتبون لهم أحوالهم، بل وينجح الإخوة الوافدون كأرباب أعمال سواء في سوق الأغذية أو المقاولات وسائر أنواع محلات الخدمات الصغيرة، وجميعها شبه خالية من الشباب الكويتي «المدعوم»، ألا يستحق هذا الموضوع وقفة تأمل ودراسة؟!
بداية، أي شخص يهاجر من بلده يكون أمام تحدي لقمة العيش، يكرس لها كل طاقته، فهو يستطيع أن يكون بطيء الحركة هناك في بلده الأصلي، ولكن في بلد المهجر الأمر مختلف فهو يعيش مع زملائه المهاجرين ويتبادل معهم ويساعده من سبقه على تثبيت أقدامه في مجتمع تتنافس فيه 190 جنسية على سوق العمل المحلي، ما يشعل حمى المنافسة ويفرض روح التعاون بين أبناء الجنسية الواحدة التي ربما لا تتعاون بنفس الكيفية في البلد الأصلي، هذا الضعف في التعاون يعاني منه الشباب الكويتي – في بلده الأصلي، الكويت – حيث لا يوجد تعاون بين الشباب على تبادل الخبرات، ولا يحصلون على إرشاد من الكبار من أصحاب الخبرات بسوق العمل، كل شخص يعيش تجارب الفشل بشكل منفرد، ويؤدي انتشار أخبار الفشل إلى إحجام جماعي عن حقل الألغام الذي انتهى بكثيرين إلى الإعسار والملاحقات القانونية، ويفضل الجميع الرعاية الحكومية في وظائف مدعومة بمئات الملايين سنويا.


يقول لي شخص من الهند: «نحن نتعاون بشكل كبير، في المستشفيات والشركات والوزارات والجامعات، لابد أن تجد شخصا هنديا يفتح لنا الباب للعمل أو لتسويق بضاعة أو لتسهيل معاملة، ونحن نلاحظ أن الكويتي الذي يعمل معنا في نفس الشركة إذا ذهب لا يجد نفس المساعدة من الكويتيين، لهذا ننصحه بألا يذهب ويترك لنا الموضوع!» انتهى.


اللبنانيون في بلاد المهجر – افريقيا وأميركا الجنوبية – هم المثال الأبرز للتعاون والنجاح ليس الاقتصادي فقط بل وحتى السياسي الذي جعل أبناء الجيل الثالث منهم رؤساء لأكثر من دولة لاتينية، ومثلهم الهنود في بريطانيا، وحتى الأتراك داخل تركيا، يتعاون أهل أنطاليا داخل اسطنبول..الخ، وقد كان الكويتيون – قبل النفط – في الهند وافريقيا متعاونين لأقصى حد، وكانت بيوتهم تحت رعاية جيرانهم للظروف التي لا يخلو منها بيت في غياب المعيل. أين ذهبت روح التعاون هذه لتحل مكانها روح التخاصم بشكل وبائي؟ لقد امتلأت المحاكم ومبنى الخبراء في الرقعي بأصدقاء الأمس والأقارب من بيت واحد، والخسائر بمئات الملايين على الجانبين، لماذا؟ إذن، ما هي قيمة هذه اللقاءات شبه اليومية في الديوانيات وحكاية «التوجيب» التي تستنزف معظم أوقاتهم، ولكنها لا تمنعهم من الصراع حتى الموت؟


عموما، تحية إعجاب لإخوتنا الوافدين من مشرق الأرض ومغربها، فقد قدموا لنا درسا ثمينا نأمل أن يستوعبه أهل هذا البلد، وسائر البلاد الخليجية التي تعاني من بطالة مفزعة مع استضافتها لقوة عمل توازي ضعف سكانها، عجبي!


كلمة أخيرة: وصل المهاجر الإيراني إلى الكويت وجلس على قارعة الطريق، وجد صندوق خشبيا مرميا خاليا من الفاكهة، اشترى علبة صبغ أحذية وفرشاة، قلب الصندوق ووضع فوقه قطعة قماش وجلس على طابوقة عند ممر المشاة في السوق، في نهاية ذلك اليوم حقق كسبا وفيرا، قال صاحب محل جالس ينظر إليه: «أمس وصل، اليوم لقى شغل؟».


التعليق: (تعلموا).


ملاحظة: في مقال أمس ورد اسم جبل «أوار» بطريقة خطأ «أورا» والصحيح «أوار» والذي تحول اليوم إلى «وارة» وكان تلة مرتفعة وتآكلت على مر الزمن.