كتاب سبر

أأيقاظ بنو أمية أم نيام … (1)

أرى تحت الرماد وميض جمر          ويوشك أن يكون له ضرام
فإن لم يطفئـها عقــلاء قــــوم            يكون وقودها جثث وهــام
وقلت من التعجب ليت شعري           أأيقـاظ بنو أميـة أم نيـــــام
هذه أبيات نظمها نصر بن سيار والي بني أمية على خراسان , وكان رجلا لبيبا عاقلا أراد بها دق ناقوس الخطر لبني أمية تحذيرا لهم من الرايات السود لبني العباس التي تلوح في الأفق ، ولكنهم انشغلوا في الترف والفساد والصراع فيما بينهم على الحكم حتى سقطت دولتهم وأضحوا ما بين صريع وطريد وشريد. ونكاد أن نشهد اليوم التاريخ وهو يعيد نفسه في منطقة الخليج العربي. حقيقة الأمر أنه لم يكن في نيتي الخوض في هذا الموضوع لتكرار طرحه مرارا لولا تصريح مزلزل تناقلته وكالات الأنباء العالمية مؤخرا ، تجاوز كل الخطوط الحمراء ونسف جميع حواجز البروتوكولات والأعراف الديبلوماسية. ويبدو أن هذا التصريح قد مر مرور الكرام على أصحاب القرار في منظومة مجلس التعاون ، فلم نسمع حتى الاستنكار المعتاد وهو بضاعتنا الرائجة ! فما فحوى هذا التصريح الاستفزازي؟  
لقد نقلت وسائل الإعلام الإيرانية تصريحات ليحيى رحيم صفوي قال فيها بالحرف الواحد ” أن حدود إيران الحقيقية ليست كما هي عليها الآن ، بل تنتهي عند شواطئ البحر الأبيض المتوسط عبر الجنوب اللبناني “. وأضاف صفوي ” وهذه المرة الثالثة التي يبلغ نفوذنا سواحل البحر الأبيض المتوسط ” ، في إشارة صريحة إلى حدود الامبراطوريتين الأخمينية والساسانية الفارسيتين اللتان أسقطهما اليونانيون والعرب . وأوضح صفوي ” أن الساحة السورية تمثل مواجهة مع المحور الغربي الصهيوني المتمثل بأمريكا والصهاينة والأوروبيين والسعودية وقطر والإمارات وتركيا,  مشيرا إلى أن السعودية وقطر أنفقتا خلال هذه المدة ما بين 30 الى 40 مليون دولار لإثارة الإضطرابات في سوريا , كما أن قطر منحت تركيا خمسة مليارات دولار لـتأجيج الأوضاع في سوريا “.
قد نستهين بمثل هذا النوع من التصريحات لو أنها صدرت عن سياسيين مغمورين أو برلمانيين متعصبين أو إعلاميين إيرانيين يلهثون خلف الإثارة والشهرة ، لكن أن تصدر عن القائد السابق للحرس الثوري الإيراني والمستشار العسكري الحالي للمرشد الإيراني علي خامئني فلا مناص أن تستحوذ على أعلى درجات الانتباه والجدية. إن هذا التصريح الناري والذي يعكس سياسة النظام الإيراني يميط اللثام عن أطماع النظام التوسعية ونزعته الإستعمارية لاستعادة الإرث التاريخي المزعوم. كما أنه يلجم أصحاب العقول الساذجة ممن استمرأوا دفن رؤسهم في الرمال وتغليب حسن الظن بالنظام الإيراني واستبعاد نواياه الاستعمارية . إن مخطط ملالي إيران ليس وليد الساعة فهو يأتي إمتدادا لأطماع وتطلعات شاه إيران السابق محمد رضا بهلوي في إحياء إمبراطورية فارس الساسانية ، ويكمن الفرق في التكتيك فقط ، فشاه إيران كان يستخدم القوة العسكرية لإرهاب جيرانه وتحقيق طموحاته النازية ، بينما النظام الحالي يعول كثيرا على الورقة المذهبية . 
إن استراتيجية النظام الإيراني للهيمنة على منطقة الخليج العربي ترتكز على ثلاثة دعائم : تحييد النظام الدولي باستخدام ورقة مساومات برنامجه النووي ، الدفع بعناصر موالية له في مواقع النفوذ وصنع القرار كأورقة الحكومات والمجالس البرلمانية ووسائل الإعلام والأجهزة الأمنية , ونشر شبكات التجسس والخلايا التخريبية . والشواهد على قولنا هذا أكثر من أن تحصى ، وهي على سبيل المثال لا الحصر احتلاله للجزر الإماراتية وإثارة الفتن الطائفية في البحرين ومحاولته زعزعة الأمن والاستقرار في السعودية وتوظيف وبث خلايا تجسسية في الكويت وتكرار تهديداته وابتزازه بإغلاق مضيق هرمز الشريان الحيوي لتصدير النفط.    وما يضفي على هذا التصريح خطورة هو تزامنه مع التحولات الجذرية التي شهدتها الساحة الدولية مؤخرا ، يأتي على رأسها تضعضع الموقف الأمريكي والتقارب مع النظام الإيراني ورفع العقوبات عنه تدريجيا والتغاضي عن عبثه في العراق وسوريا واليمن، مما يوحي ضمنيا حصوله على ضوء أخضر للمضي قدما في مخططاته التوسعية.
يتبع …
د / جاسم الفهاد
@dralfahhad 

أضف تعليق

أضغط هنا لإضافة تعليق

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.