كتاب سبر

عن أي قوى وطنية يتحدثون؟

لطالما شعرت بالاستغراب من التيارات و القوى السياسية التي تصف نفسها بالوطنية و تحتكر تلك الصفة لنفسها . و اما استغرابي فهو نابع من امرين , اولهما ان اي تيار او حركة سياسية تصف نفسها بالوطنية و تجعله مسمى لها فأنها بشكل او بآخر تشكك في التزام التيارات و الاحزاب و الحركات السياسية الاخرى و بخاصة المنافسة لها بالخط الوطني في مفهومه الدقيق , إذ انها ترى بأنها الوحيدة التي تعرف معرفة تامة ذلك الخط و تسير عليه بكل ثقة و مثابرة . و ثانيهما , ان اي تيار و حركة سياسية تجعل مفهوم الوطنية حكراً لها في العمل العام مفترض فيها ان تتوجه في خطابها و ممارساتها العملية لذلك الخطاب الى كافة شرائح المجتمع و فئاته فلا تصوغ خطابها الفكري و السياسي و الاجتماعي و الاقتصادي و تعبر عنه في ممارساتها على ارض الواقع بحيث يعكس مصالح شريحة معينة او فئة بعينها , على الرغم من ان اي تيار او حركة سياسية انما تتشكل بداية كتعبير عن مصالح طبقة او ايدولوجية معينة .
و لكن ما يبدد هذا الاستغراب ان القوى التي تصف نفسها بالوطنية و ذلك طبعاً ينطبق على حالة الكويت و على غيرها من المجتمعات , غالباً ما تكشف في العمل السياسي عن ارتباطها بمصالح طبقية و فئوية , و هو تعبير عن مفهوم الصراع السياسي و ادواته في المجتمع , فهناك العديد من القوى في اي مجتمع تدافع كلاً منها عن مصالحها بخطاب و اساليب مختلفة . و الامر الى هذا الحد يبدو مقبولاً و ليس مستهجناً , الا انه يبعث على الدهشة حينما تعكس ممارسات القوى السياسية التي تصف نفسها دون غيرها بالوطنية لامبالة بالفئات و الشرائح و الاقل خطأ في المجتمع و التي دائما ما تشكل القاعدة العريضة لأي مجتمع . فالوطنية تفترض انطلاقاً من مسماها الاهتمام بالقطاع الاكبر من المجتمع دون الاقلية او النخبة ذات النفوذ و التأثير .
لذلك فأن المعيار الحقيقي للتثبت من وطنية القوى السياسية انما يكون مصدره من خلال معرفة وجهة الخطاب الذي تتبناه اي قوى سياسية و طبيعة المصالح التي يخدمها , فأن كان ذلك الخطاب مدافعاً عن حقوق القاعدة الاعرض من المواطنين و حريصاً على صيانة مكتسباتها الاجتماعية و الاقتصادية كان بالتالي جديراً بأن نطلق عليه خطاباً وطنياً نابع عن قوى وطنية تضع مصلحة الاكثرية نصب عينها .
و بناءً على ذلك , فأننا في الكويت قد اصبحنا في حاجة الى اعادة النظر و التدقيق في الصفات التي تطلقها القوى السياسية على نفسها و تجعلها حكراً لها . إذ عندما تتحول قوة سياسية الى اداة لتحقيق مصالح و مكتسبات فئوية و تغدو السياسة بمفهومها العام ميداناً تصطاد فيه المصلحة تلو الاخرة على حساب الشرائح الاكبر من المواطنين , يتوجب علينا ان نعيد النظر مرة اخرى في مفهوم الوطنية الذي تدعيه بعض القوى حكراً عليها .
ان مفهوم الوطنية في العمل السياسي يتطلب احقاق مبادئ كبيرة تعم في حال تطبيقها السواد الاعظم من المواطنين , و في مقدمة هذه المبادئ العدالة الاجتماعية , و العمل الدؤوب على انصاف القاعدة العريضة من المجتمع وتحقيق نوع من المساواة في الحقوق الاجتماعية و الاقتصادية اليس مدعاه للخجل ان لا ترى القوى الوطنية كيف ان مجتمعاً صغيراً كالكويت تفصل بين مناطقه فجوة حضارية و اقتصادية هائلة كتلك التي تفصل بين امريكا و المكسيك ؟ و اين كانت بصيرة القوى الوطنية عشرات السنين ؟ انه سؤال معلق لا اجابة عليه منذ زمن طويـل .

أضف تعليق

أضغط هنا لإضافة تعليق

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.