على هامش الجلسة الختامية لمجلس عام 96جرى حوار بين مجموعة من النواب في الإستراحة المخصصة لهم وللوزراء والإعلاميين وقد كنت بين المشاركين في ذلك الحوار وكان من بين النواب ممثلي التحالف الإسلامي الوطني والتيار القومي والوطني ، وقد قبل الحضور أن أكون شريكا في مثل ذلك الحوار رغم أنني لم أكن نائبا لكوني قريبا من كل الأطراف .
كان السؤال محور النقاش .. ماذا سيكون رد فعل الحكومة لو كان هناك إتفاق نيابي على طرح مشروع للإصلاح السياسي يبدأ بتخفيض الدوائر الإنتخابية والتحضير لإشهار التنظيمات السياسية أما على شكل جمعيات أو أحزاب ؟!، وللحقيقة كان الحوار ناضجا وليس كما حصل فيما بعد عندما دخل مجلس الأمة (( هواة)) السياسة .
كانت التوقعات أن تتبنى الحكومة مشروعا مضادا في حال فرض عليها أية أفكار أصلاحية سواء أكانت تلك الأفكار تتعلق بالدوائر الإنتخابية أو توسيع صلاحيات مجلس الأمة على حساب الحكومة أو غيرها من تلك الأفكار المتداولة في ذلك الوقت ، لكن أي من الحضور لم يتحدث عن الآلية التي ستلجأ لها الحكومة لإحباط أية محاولات إصلاحية يطرحها التيار الوطني والمتحالفين معه مثل التحالف الإسلامي الوطني .
بعد سنوات من ذلك الحوار تحقق أحد أضلاع الحوار وبالتحديد مايتعلق بالدوائر الإنتخابية وكان رغما عن الحكومة التي كان يترأسها في ذلك الوقت الشيخ ناصر المحمد وللتاريخ فقد كان الفضل يعود إلى عدد من كبار الشيوخ وبعض الفعاليات الإقتصادية وعدد من النواب ومؤسسات المجتمع المدني في تحريك الملف وإيصاله إلى خط النهاية .
حتى ذلك الوقت لم نتوقع شكل رد الفعل الحكومي وإن كانت تصلنا بعض التسريبات عن امتعاض في أوساط القيادات العليا للدولة ، لكن مع مرور الوقت بدأت ملامح الخطة الحكومية في التشكل ومحورها ضرب الفئات الإجتماعية والسياسية ببعض وخلق فجوه فيما بينها تمنع طرح أية أفكار جديده كخطوه أولى وبعدها السعي لتفكيك الإنجاز الوحيد للتفاهم الوطني في مرحلة مابعد التحرير .
الحكومة إعتمدت في خطتها على ثلاثي تمكن خلال عده سنوات من تفريغ فكره تقليص الدوائر الإنتخابية من محتواها من خلال العثور على أحد أبناء القبائل ليس له من مهمة سوى التطاول على الشيعة والتشكيك في ولاءهم ومحاولة إحراجهم ، وفي المقابل تحريك أحد أدعياء الشيعة ليرد تلك الشتائم والهدف أن يلتحق بهم العامة من كلا الطرفين .
وفي نفس الوقت حركت الحكومة من خلال الثلاثي أحد الأشخاص ليتطاول على أبناء القبائل والظهور بمظهر المدافع عن شريحة الحضر ، وأوجدت في المقابل أراجوزات للرد عليه ليلتحق العامة أيضا من كلا الطرفين بالأطراف المتصارعة وليتحول مشروع الإصلاح المطروح إلى حلم بعيد المنال ، والمفارقة أن الهواه وبعضهم شارك مرغما في مشروع الإصلاح هم من تسيد الساحة لتدميرها .
المفارقة الثانية أن هزيمة مشروع الإصلاح السياسي أدى إلى هزيمة أخرى ضحيتها أحد أعضاء الفريق الثلاثي ويمكن أن يوصف بأنه رجل من الزمن الأغبر ، ليعاد صياغة المشهد السياسي مره أخرى في تركيبة تقترب إلى حد كبير من المحال تصديقها لولا أن تكشفت تفاصيلها الدقيقة في وقت لاحق .
كانت النتائج مأساوية بكل ماتحمله الكلمة من معنى إلى الحد الذي دفعت بعض الشرائح المؤثره إلى الصراخ من أجل إنهاء الفوضى السائده في حينها حتى ولو بمرسوم يعدل قانون الإنتخاب الجديد من طرف واحد لأن إبقاء الوضع على ماهو عليه سيدمر الديمقراطية بكل تأكيد ، وهو ماحصل وكانت التداعيات السابقة له درس آخر من دروس العمل السياسي .
أضف تعليق