حقيقةً لا أدري من أين أبدأ وأين سأنتهي، فالكلام عن الليبرالية كلام ذو شجون ولا يكاد ينتهي، وارتباط جزئياته ببعض ارتباط وثيق، فلا تكاد تتكلم عن جزئية معينة وتنتهي منها حتى تجد نفسك مضطرا إلى الكلام عن الجزئية الأخرى لشدة ارتباطها بسابقتها.
ولكن أنا في هذا المقال سأحاول جاهداً أن أجتزأ جزئية، وأعقب عليها وأبين ضررها الديني والدنيوي على الفرد والمجتمع.
من أصول اليبرالية الراسخة عند أصحابها هي: حرية الفرد، ولا يعنون حرية الفرد من منظورها الإسلامي، وهي إخراج العباد من عبادة العباد إلى عبادة رب العباد، وإنما يعنون أن للفرد أن يفعل ما يشاء كيف يشاء ما لم يلحق ضررا بالآخرين.
وعلى ذلك فهم لا يجدون غضاضة من تناول بعض الأفراد للمسكرات، بل ويطالبون بتوفيرها لمريديها، وكذلك لا يمانعون من فتح دور بغاء تمارس فيها الفاحشة جهارا نهارا؛ لأن ذلك من الحرية الشخصية وفق مفهومهم للحرية.
وهذا المفهوم الخطير للحرية له أضرار خطيرة على الفرد والمجتمع:
أضراره على الفرد:
أنه يقتل الهمم في نفوس الشباب ويجعل جزءاً من الأمة عالة على الآخر، لأن الشباب الذي تكون غاية أحلامه كأس خمر وحضن غانية لا يكون من أصحاب الطموح العالي والهمة العالية، كما قال أحدهم عندما دعي إلى الجهاد في سبيل الله:
يقولون جاهد يا جميل بغزوة وأي جهاد غيرهـن أريـد … لكل حديث عندهن بشاشـة وكل قتيل عندهـن شهيـد
فانظر إلى هذا الرجل كيف آثر الفاني على الباقي وآثر الجلوس بين النساء على الجهاد في سبيل الله، لو لم يكن من أصحاب الهمم البالية التي زرعتها في نفسه المنكرات لما قال هذا.
وقد يعترض علي البعض لماذا اختزلت حرية اليبرالية بالخمر والزنى؟
الجواب: إن خطورة الحرية الليبرالية تكمن بمصادمتها لأمر الله ورسوله، وغالب مطالباتهم يكون مآلها إلى توفير المحرمات وإن حاولوا تمريرها تحت غطاء “إن الشباب مكبوت ويحتاج ترفيه” وغالبا ما يكون توفير الخمر وفتح دور بغاء هو المثال.
أضراره على المجتمع:
أنه يسلب فضيلة هذه الأمة منها، فما فضلت هذه الأمة على الأمم إلا بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، كما قال تعال (كنتم خير أمة أخرجت للناس) لماذا؟ قال سبحانه: (تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر) فربط الخيرية بهذا الشرط فإذا عدم الشرط عدم المشروط!!!
وهؤلاء الليبرالييون يريدون منا أن نكون كحال أسلافهم من المنافقين الذين قال الله فيهم: (المنافقون والمنافقات بعضهم من بعض يأمرون بالمنكر وينهون عن المعروف) بينما المؤمنون هم كما وصفهم الله بقوله: (والمؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر) يقول الإمام القرطبي: فجعل تعالى الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فرقا بين المؤمنين والمنافقين؛ فدل على أن أخص أوصاف المؤمن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.
وانظر إلى هذا الحديث النبوي الشريف كيف بين شأن التواصي بالحق بين المؤمنين يقول عليه الصلاة والسلام: مثل القائم على حدود الله والواقع فيها كمثل قوم استهموا على سفينة فأصاب بعضهم أعلاها وبعضهم أسفلها، فكان الذين في أسفلها إذا استقوا من الماء مروا على من فوقهم، فقالوا لو أنا خرقنا في نصيبنا خرقا ولم نؤذ من فوقنا فإن يتركوهم وما أرادوا هلكوا جميعا، وإن أخذوا على أيديهم نجوا ونجوا جميعا ).
فإذا قبلت الأمة أن تعمل بالحرية وفق مفهومها الليبرالي هلكت وأهلكت.
عبدالكريم دوخي المنيعي
أضف تعليق