كتاب سبر

مشكلتي مع المتدينين!

تدور أحاديث أبناء القبائل ممن ربوا وتأدلجوا وحفظوا في الخِيام وفي الصحراء القاحلة على حب المتدينين وعشق القبيلة و رموزها وأميرها، حتى يُخيل لك إن زرتهم في مجلسهم كأنك زائر مجلس وعظ متطرف لشيئين لا عشق لهما سواهما ( المتدينين والرموز ) فبات بعض أبناء القبيلة مذياعاً تصدح منه الآراء المناهضة لتطور الدولة وازدهارها و رِفعتها، وإنما المؤمنون ( فِكرة ) ، فلا مجال لديهم سوى صناعة الرموز وتقديسها و اتباع آرائها بانقيادية تامة. تبعد عن العقل وعن الفِكر. وبفكرهم المتواضع جداً بأن رجال الدين وحمايتهم من مقصلة النقد البنّاء ماهو إلا حماية للدين ولرب العالمين!

 يقول المفكر علي الوردي: ( إننا نشغل أنفسنا ونوهمها بأننا سائرون في طريق الإصلاح، بينما نحن في الواقع واقفون في مكاننا أو راجعون إلى الوراء، إن الطبيعة البشرية لا يمكن إصلاحها بالوعظ المجرد وحده، فهي كغيرها من ظواهر الكون تجري حسب نواميس معينة، ولا يمكن التأثير في شيء قبل دراسة ما جُبل عليه ذلك الشيء من صفات، يقول ( باكون ): لكي تسيطر على الطبيعة يجب عليك أولاً أن تدرسها، فالإنسان جزء لا يتجزأ من الطبيعة المحيطة به. انتهى ) فهذه هي طبيعة و أيديلوجيا أبناء القبائل إلا من رحم ربي، فإنهم بمثابة مصنع للنجوم وإذاعة لأحاديث قال المتدين الرمز الفلاني وإذ حكى المتدين الآخر بقوله المناهض وهلم جرة من هكذا أحاديث تخلو من العقل والفِكر ومجردة من انفرادية ذاتية للعقل البشري وحكمه على الأشياء هل مقبولة عقلياً أم كعادة الأشياء بالتبعية تؤخذ؟ إننا بحاجة ماسة لثقافة النقد والانتقاد، فقد سئمنا ومللنا من رموز نصنعهم بأيدينا ومن ثم يلقون بنا إلى التهلكة ويقال عنّا للأسف الشديد ( هذا ما جنته يداكم )  .

 لدينا الآن في مجلسنا ( غير الموقر ) مجلس الأمة مثالٌ حي لقداسة الأشخاص و لصناعة الرموز وأتباعها من القبيلة و حتى إن دخلت جحر ( ضب ) دخلوه تباعاً وفرادى، فهذا النائب هو بمثابة الملهم وطوق النجاة من خراب الأخلاق واندثارها، وهذا هو ما يأخذ بيدهم للشريعة الإسلامية بحذافيرها وحوافيرها، وقال الله، وقال رسوله الكريم، ويقود بهم إلى بره لا بحره، ويتبعونه من غير تشكيك ولا معصية!

 محمد هايف الميموني المطيري، ملهم القبائل جمعاء، و رمزهم الذي صنعوه بيدهم فقدسوه جهاراً نهاراً، لا يقوم للنشيد الوطني فيتعذرون له بـ ( حرام الأغاني )، يطالب بوقف حصص التربية الموسيقية، فيقولون ( نريد ثقافة إسلامية أكثر وأكثر ) ينشئ لجنة الظواهر السلبية لقتل المرضى النفسيين واغتصابهم في مخافر الدولة، فيقولون ( كفانا عدم رجولة وقلة أنوثة ) يطالب بتغيير المادة الثانية من الدستور لتكون دين الدولة الإسلام والشريعة الإسلامية المصدر الرئيسي للتشريع، فيوافقون ( نعم، نعم.. الإسلام هو الحل ) يبحث عن فتوى لاستباحة دم ( الحقير ) السوري فيقولون ( لم يقصد قتله، لم يقصد قتله) والآن يقوّم الدنيا ولا يجلسها بتقديمه أسئله برلمانية لوزراء الداخلية والخارجية والعدل والشؤون عن أعداد الأشقاء الأحبة من دولة البحرين وأعدادهم وأسباب دخولهم ( وأسمائهم ) وهل جمعية المحاميين الكويتية قُدمت لها طلبات من قِبل البحرينيين لرفع قضايا في البحرين لدى هيئات دولية؟ ويغفل عن المحاميين المتطوعين بالدفاع عن طاغية مصر محمد حسني مبارك! 

 النفس البشرية دوماً إذ تسأل عن الإخفاقات لا النجاحات وتبحث عن الموعود لا عمّا تحقق من الوعود، فهذا طبعٌ بشري لا يتغير أبداً، فالنجاحات هي أمور واجبة وأماني موعودة، والأخطاء والإخفاقات ما هي سوى شماعّة انتقاد يبحث عنها من يريد وأمثالي تعديل المسار، والحدة من الغلو والانبهار بالنجاحات، وخفة الوطء التعصبي والتقديسي لأي رجل في العالم مناط بتحقيق مطالب الشعب، فلا أحد مُقدس ولا أحد رمز ولا أحد معصوم. إنهم بمثابة بشر يخطؤون وخير الخطاّئين التوابون. لا هم ملائكة ولا رسل ولا هم مُنزلون من الله سبحانه وتعالى.

ومن لم يقرأ التاريخ بعقله لا يتمنى أن يحدث لنا ما حدث في أوروبا وفي عصور ما قبل النهضة والفكر؛ إذ لا أتمنى أبداً أن يصل بنا الحال كما حدث لملك بريطانيا هنري الرابع حينما ودّ الغفران من البابا جريجوري في الطقس البارد القارس والجليد ينزل عليه من السماء والأمطار تهل من بكائها و ينتظره خارج الكنيسة ساعات طوال، فما حدث عندهم أنهم قدسوه وحفظوا قوله تقرباً للرب ولصكوك الغفران، حتى عاث بهم وتكبر وتجبر، وهذا ما يفعله البعض وللأسف الشديد مع النائب المتدين محمد هايف، فهو يتعصب له قبلياً ويجعل منه قديساً لا يخطئ ومعصوم عن الصغائر حتى، ويتبعه بكل شيء لكل شيء، من باب الدين والتقرب لرب العالمين ! ، فلا يفقهون أنه بشر يخطئ كما غيره من عامة البشر ، ولا يؤمنون بأنه كحاله من حال البقية من بنو تدين ومن بنو قبيلة  ( إلا من رحم ربي ) ، ولا يعلمون بأنه يقدم أسفاها علنياً للدولة المدنية ، ولا يراعي اهتمامه لسن القوانين التي تكفل حق المواطن بالعيش الأفضل ، ولا يرتقي بطرحه الطائفي ، فهو ذو طرح عاطفي مقيت ، اذ يعلم بعاطفة ابناء القبائل وتعاطفهم في المسائل الدينية ، ويكبل عقولهم طواعية له ولأفكاره، ومن سينجح أخيراً.. إنه هو ,, للأسف.

 متى يتحرر المرء من القيود القبلية ومن العادات والتقاليد ومن أتباع الرموز بأقوالهم وأفعالهم وتصريحاتهم والدفاع عنها ؟ ومتى لا يكون لدينا أحدٌ معصوم عن الخطأ؟ ومتى يكون لدينا لا قداسة لأحد، لا تبجيل لأحد، لا أحد ملائكي لا يُخطأ؟ متى يكون لدينا اهتمامات في الدولة ورقيها وتقدمها وازدهارها كما تفعله الدول الاسكندينافية؟ متى تكون أساسياتنا الوطن ولا غيره من البشر؟ متى نحاسب أقرب الناس لنا كما نحاسب أبعد الناس؟ متى نعترف بأخطاء الكبار ونقر بها علناً ؟ متى نقول: إننا في دولة مدنية تسير حسب الدستور والقانون ولا يجرؤ أحد على المساس بهما؟.. أظن بأن هذه كومة أسئلة ستُرمى بأقرب زبالة أجلكم الله، لأنها أسئلة حقيقية واقعية بها الكثير من المنفعة للناس قاطبة! أظنها أسئلة لا أجوبة لها!

 شطحة: إن المتدينين.. إذا دخلوا قرية ً أفسدوها.. !

ayyadq8q8@

[email protected]

أضف تعليق

أضغط هنا لإضافة تعليق

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.