أقلامهم

أحمد الديين لا يرى أن جريمة غسل الأموال تنطبق على الإيداعات المليونية ويحذر من مجموعة إلتباسات ومغالطات في هذه القضية

تصحيح المغالطات في فضيحة الحسابات!  
 
أحمد الديين
 
هناك مجموعة من الالتباسات المتصلة بفضيحة الإيداعات المليونية في الحسابات المصرفية لعدد من أعضاء مجلس الأمة، وربما كان بعضها مغالطات أكثر من كونها التباسات، وهي أيا كانت تحتاج شيئا من التوضيح والتصحيح.
ومن بين هذه المغالطات التركيز على أنّها فضيحة فساد نيابي، بينما هي بالتأكيد فضيحة إفساد، وفي الغالب فإنّه إفساد سلطوي، أو إفساد تقوم به أطراف سلطوية متنفذة.
وأما المغالطة الأخرى فهي التركيز على أسماء النواب الذين تمت إحالة حساباتهم إلى النيابة العامة وكأنّ الأمر منحصر فيهم وحدهم، بينما قد يكون هناك غيرهم مَنْ لم يودع مبالغ الرشى في حساباته المصرفية، وربما كان هناك مَنْ تمكّن من توفير غطاء ما للإيداعات، وبالتالي فإنّ الجريمة أكبر من أن تنحصر في بعض الأسماء المتداولة.
والمغالطة الثالثة تتمثّل في التعامل مع الجريمة وكأنّها مجرد جريمة غسيل أموال، مع العلم أنّ لجريمة غسيل الأموال تعريفها القانوني وأركانها، التي قد لا تتوافر في القضايا الـتي أُحيلت إلى النيابة العامة… ذلك أنّ القانون رقم 35 لسنة 2002 في شأن مكافحة عمليات غسيل الأموال يعرّف في مادتيه الأولى والثانية هذه الجريمة، حيث تنصّ المادة الأولى من هذا القانون على أنّ “عمليات غسيل الأموال هي عملية أو مجموعة من عمليات مالية، أو غير مالية، تهدف إلى إخفاء أو تمويه المصدر غير المشروع للأموال أو عائدات أي جريمة وإظهارها في صورة أموال أو عائدات متحصلة من مصدر مشروع، ويعتبر من قبيل هذه العمليات كل فعل يساهم في عملية توظيف أو تحويل أموال أو عائدات ناتجة بصورة مباشرة أو غير مباشرة عن جريمة أو إخفاء أو تمويه مصدرها”… أما المادة الثانية من القانون ذاته فتقرر أنّه “يعد مرتكبا لجريمة غسيل الأموال كل مَنْ ارتكب أحد الأفعال التالية أو شرع في ارتكابها:
1 – إجراء عملية غسيل الأموال مع العلم بأنها متحصل عليها من جريمة أو متحصل عليها من فعل من أفعال الاشتراك فيها.
2 – نقل أو تحويل أو حيازة أو إحراز أو استخدام أو احتفاظ أو تلقي أموال مع العلم بأنها متحصل عليها من جريمة أو متحصل عليها من فعل من أفعال الاشتراك فيها.
3 – إخفاء أو تمويه حقيقة الأموال أو مصدرها أو مكانها أو طريقة التصرف فيها أو حركتها أو الحقوق المتعلقة بها أو ملكيتها، مع العلم بأنها متحصل عليها من جريمة أو متحصل عليها من فعل من أفعال الاشتراك فيها”.
أي أنّ المطلوب لاكتمال أركان الجريمة أن يتم تحديد المصدر غير المشروع للأموال، أو أن تكون هذه الأموال من عائدات جريمة، بالإضافة إلى العلم المسبق بذلك، وهذا ما يصعب إثباته في حالة الإفساد خصوصا الإفساد السياسي الذي تتوافر لدى الأطراف المتورطة به السطوة والإمكانية للتغطية عليه، بما في ذلك تشخيص أحد كباش الفداء للتستر على المفسد الأساسي.
وربما رأى البعض أنّ صعوبات المسار القانوني أو بالأحرى احتمال انسداده تتطلب تشكيل لجنة تحقيق نيابية… ولكن السؤال الذي يفرض نفسه ترى أي صدقية للجنة تحقيق تشارك في التصويت عليها الأطراف المتورطة في الجريمة بحكم عضويتها في مجلس الأمة؟!
ومن هنا فإنّ المهم ليس المسار القانوني لجريمة غسيل ولا المسار النيابي في التعامل معها، وإنما المهم هو المسار السياسي لفضيحة الإفساد السياسي، الذي يعتمد أولا وقبل كل شيء على وعي الرأي العام الشعبي وعلى قوته وضغطه ودوره في فضح الإفساد وكشف المفسدين الكبار وتعرية الفاسدين من النواب… وغير ذلك ترقيع وتمويه وتضليل وتغطية وتستر على الفساد الكبير.
 

أضف تعليق

أضغط هنا لإضافة تعليق

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.