بعدما دعا الرئيسُ رجب طيب أردوغان الشعبَ التركي إلى النزول من خلال مكالمة تليفونية مصورة على شاشة التلفزيون، شهدت ساعات ما بعد منتصف ليل السبت 16 يوليو/تموز 2016 تحولاً درامياً في أحداث الانقلاب العسكري الفاشل.
الاستجابة الشعبية كانت كبيرة لدرجة أنها منعت العديد من المدرعات والدبابات التابعة للانقلابيين من المرور إلى الأماكن التي كانت تقصدها، بل دفعت قوات الأمن إلى الانسحاب من بعض الأماكن كما حدث في محيط مطار أتاتورك.
وكان للشرطة والقوات الخاصة دور كبير في مقاومة قادة الانقلاب، إلا أن الجماهير الغفيرة التي نزلت إلى الشوارع في مشهدٍ مهيب لا يتكرر كل يوم، هي مَنْ خطفت الأنظار حول العالم، وعلى وجه الخصوص الدول والشعوب التي تئنُّ من تبعات الانقلابات العسكرية.
فيما يلي نستعرض أبرز الانقلابات التي استطاعت الشعوب إسقاطها اعتماداً على المقاومة السلمية دون استخدام للأسلحة.
انقلاب ألمانيا 1920
في 13 مارس/آذار 1920، حاول كل من وولفغانغ كاب ووالتر فون لوتفيز، عمل انقلاب من أجل إحباط ثورة نوفمبر/تشرين الثاني 1918 التي نتج عنها إنشاء الجمهورية الألمانية.
الانقلاب قام بإطاحة جمهورية فايمار، وهي الجمهورية التي نشأت في ألمانيا في الفترة من 1919 إلى 1933، وتنصيب حكومة يمينية استبدادية، وكان الانقلاب مؤيداً من قبل أجزاء من الجيش وبعض التيارات المحافظة والفصائل الملكية.
الانقلاب جرى في برلين ما دفع الحكومة الألمانية الشرعية للهروب من المدينة، إلا أن الانقلاب فشل بعد أيام قليلة نتيجة نزول عدد كبير من الشعب الألماني إلى الشارع بعد دعوة الحكومة الشرعية الشعب إلى إطلاق إضراب عام، رفض فيه موظفون الحكومة التعامل مع قادة الانقلاب وحلفائه.
وبحسب الكاتب جين شارب، صاحب كتاب The Anti-Coup، فإن الانقلاب تم إسقاطه من خلال المزج بين العصيان المدني للعمال والموظفين الحكوميين، وعامة الشعب الذين رفضوا التعاون مع الإدارة الجديدة، الأمر الذي أدى إلى شل الحياة في برلين، وانقطاع دعم الفصيل العسكري لقادة الانقلاب.
انقلاب فنزويلا
في عام 2002، قامت مجموعة من قادة الجيش الفنزويلى مدعومة من الولايات المتحدة الأميركية بخلع الرئيس المنتخب وقتها هوغو تشافيز عن سلطته، وأقامت سلطة بديلة برئاسة رجل الأعمال الثرى كارمونا المناهض لتشافيز والمناصر للغرب.
هذه السلطة حكمت لمدة 48 ساعة فقط، عاشت فنزويلا خلال يومين أحد أسرع الانقلابات فى التاريخ، حيث أدى الانقلاب إلى الإطاحة بالرئيس تشافيز، وتم وقتها نقله إلى قاعدة عسكرية فى إحدى الجزر الفنزويلية.
لكن رغم ذلك لم يستسلم أنصار تشافيز للأمر الواقع، حيث خرج مؤيدو الزعيم الفنزويلي في مظاهرات ضخمة عمّت البلاد للتعبير عن دعمهم للرئيس، إلى جانب ذلك فإن القيادة الجديدة عُرف عنها سوء التعامل مع قضايا الديمقراطية والتنمية الاقتصادية والاجتماعية، ما إدى إلى تخلي الكثير من الأحزاب والقوى السياسية عنها.
يذكر أن أول ظهور لتشافيز، المظلي السابق في الجيش، كان كزعيم لانقلاب فاشل عام 1992 ضد نظام الرئيس السابق أندريز بيريز تحت مطالب تركزت على إيقاف نهب الثروات الوطنية وتهريب رؤوس الأموال الى الخارج والدفاع عن مصالح الفقراء في بلد غني بثرواته وفي مقدمتها النفط، لكنه وبعد 6 سنوات من ذلك تدرج سياسياً، واستطاع أن يستغل موجة الغضب من النخبة السياسية التقليدية وفاز برئاسة البلاد.
انقلاب الثلاثة أيام
ففي يوم 19 أغسطس/آب عام 1991، أعلنت وسائل الإعلام السوفيتية حالة الطوارئ في البلاد، وأُعلن عجز الرئيس غورباتشوف عن أداء مهامه لحالته الصحية السيئة وانتقال السلطة إلى لجنة الدولة لحالة الطوارئ، تزامناً مع إدخال قوات عسكرية إلى موسكو، وأعلن أن ممثلي المعارضة الديمقراطية سيخضعون للاعتقال في حال العثور عليهم.
تضمنت المعارضة للجنة الدولة لحالة الطوارئ قيادة روسيا الاتحادية بصفتها إحدى جمهوريات الاتحاد السوفييتي حينذاك برئاسة بوريس يلتسين، رئيس الجمهورية، وقام يلتسين بالتنديد بأعمال لجنة الطوارئ، بالإضافة إلى دعوة الشعب إلى الوقوف إلى جانب الديمقراطية الروسية الفتية، التي تم التعبير عنها من خلال الاستفتاء الشعبي الذي صوّتت فيه أغلبية الناس للحفاظ على الاتحاد السوفييتي.
اجتمعت الحشود بالقرب من “البيت الأبيض” (مبنى مجلس السوفييت لروسيا الاتحادية) ليعبروا عن احتجاجهم، ولم ينصرفوا حتى في الليل، كما شرعوا في إقامة المتاريس في موسكو وتوزيع المنشورات.
وانتقلت وحدات فرقة “تامانسكايا” إلى جانب المدافعين عن المجلس الأعلى، أما الدبابات التي وجهتها لجنة الدولة لحالة الطوارئ إلى مبنى البرلمان فتم حصارها بحشود من الناس. ولقي 3 أشخاص مصرعهم جراء وقوع اشتباكات.
ورفضت الوحدة الخاصة “ألفا” اقتحام البيت الأبيض. وفي هذه الظروف أصدر وزير الدفاع أمراً بسحب القوات من موسكو. في 22 أغسطس/آب عاد ميخائيل غورباتشوف رئيس الاتحاد السوفييتي من القرم فتم اعتقال أعضاء لجنة الدولة لحالة الطوارئ. وأعلن في موسكو الحداد على الشهداء. كما أعلن يلتسين أنه اتخذ قراراً بجعل العلم الأبيض – الأحمر – الأزرق علماً للدولة الروسية.
المقاومة الفلبينية
تعد الثورة الفلبينية في عام 1986 تتويجاً لنضال طويل للشعب الفلبيني ضد انقلاب سياسي حدث في 1973، الذي قام فيه الرئيس الفلبيني فرديناند ماركوس، بإعلان الأحكام العرفية وإلغاء انتخابات 1973، وتمديد فترة حكمه فوق المدتين المنصوص عليهما حسب الدستور، بذرائع تتعلق بتهديدات الشيوعيين والمتمردين الإسلاميين.
في عام 1972، اعتقل ماركوس، زعيم المعارضة، بينيجينو أكينو، وصدر عليه حكم الإعدام، لكن في عام 1980، سمح ماركوس لأكينوا بالذهاب للولايات المتحدة، إلا أنه عندما عاد في 1983 إلى الفلبين لقيادة المعارضة، تم اغتياله في مطار روما لدى نزوله من الطائرة.
خلال فترة الطوارئ اندلعت العديد من الاحتجاجات، إلا أن اغتيال أكينو كان بمثابة الشرارة، التي أكملت عليها زوجته كورازون أكينو، والتي ترشحت لانتخابات 1985 بعدما ضغط المجتمع الدولي على ماركوس لإقامة انتخابات ديمقراطية، وخلال هذه الفترة شارك العديد من الفلبينيين في تدريبات على المقاومة السلمية تابعة لجمعيات مدنية، وفي هذا السياق تشكلت منظمة اللاعنف “أكابكا”، التي كان لها دور كبير في الأحداث بعد ذلك.
أقيمت الانتخابات إلا أن الشكوك دارت حول نزاهتها رغم حماية المتظاهرين المؤيدين لأكينو لصناديق الانتخابات، لكن بعد إعلان الجمعية الوطنية الفلبينية نتيجة الانتخابات لصالح ماركوس، ادعت أكينو عدم نزاهة النتيجة.
في 13 فبراير1986 أعلن الكاردينال سين (أحد رموز الثورة الفلبينية) دعمه للضباط المنشقين المعترضين على نتائج الانتخابات، فتوافد عشرات الآلاف من المواطنين العزل إلى المعسكرات وقدموا الأطعمة والمواد للجنود، وأنشأوا دروعاً بشرية لمنع الجيش من الهجوم على المنشقين.
من جانبه، أرسل ماركوس، رئيس الفلبين آنذاك، وحدة بحرية مدعومة بالمدرعات والدبابات، لكن الشباب المدربين على اللاعنف جلسوا أمام الدبابات دون حراك، وهم يحيون رجال الجيش بالزهور ويصلون لهم ويدعونهم للانشقاق والانضمام إلى الناس، وبالنتيجة انسحبت الدبابات دون إطلاق رصاصة واحدة، وأعلن عن تمرد الجيش ضد الحكومة، وفي الوقت ذاته رفض طيارو سلاح الجو الأوامر الرئاسية بقصف مواقع المنشقين.
أضف تعليق