ميزة حلم مارتن لوثر كنغ أنه حلم به، ثم مضى لينجزه غيره، هكذا هي الأحلام الكبرى تتحول لسيرة ومسار لأمة ولزمن ولثقافة.
وفي البداية كانت خطبة في جماهير اجتمعت لتعبر عن احتجاجها على المظالم الواقعة عليها، من استعباد جسدي ومعنوي، كله بسبب لون جلدها، وكل صاحب بشرة سوداء كان يتعرض للإقصاء الاجتماعي حتى ليمنع عليه الجلوس على مقاعد الباص ومن كان جالسا فيلزمه ترك كرسيه لمجرد أن يحضر رجل أبيض وحينها يكون المكان للأبيض وليس للأسود، ويستمر العزل والإقصاء ليشمل كل مظاهر الحياة، وصار التجمع الكبير الذي خطب فيه مارتن لوثر كنج خطبته الشهيرة: لدي حلم… لدي حلم… لدي حلم.
وما لبثت رصاصة آثمة أن نسفت رأس مارتن لوثر كنغ غدرا وتربصا ومات لكن حلمه بقي حيا يتفاعل ويتحرك ويحرك الوجدانات السوداء، إذ تولت الجماهير المسيرة من بعده حتى حققت الكثير من المكاسب العملية والمعنوية، وصارت الثقافة السوداء والإنسان الأسود معلما إنسانيا في أميركا من بعد أن كان مسخا، ولا يزال حلم مارتن كنغ يحفز الناس، كل الناس ومن كل العينات البشرية، وخاصة في أميركا حيث ما زال الأميركيون الأفارقة يعانون تحيزات من بقايا زمن التسلط والتغطرس الأبيض، ولكنهم يقفون بشجاعة معنوية وبثقافة تتخذ من الاحتجاج السلمي سبيلا لرفع المظالم، وهذا هو أكبر منجز حققه مارتن لوثر كنغ حيث طرح نظرية النضال السلمي كبديل لنظريات العنف، العنف كفعل والعنف كردة فعل، وبسبب نظريته السلمية سارت المسيرة من بعده، وما زالت تسير ويكتب لخطاها الانتصار تلو الانتصار مع تعاطف العالم كله معها واتخاذه لها نموذجا يحتذى في نضاليات الشعوب، والتأكيد أن السلم يصنع نتائج أعلى من خسائر الحروب وعنفها.
أضف تعليق