كتاب سبر

ياحضرة الشعب.. اصمت!

يقول الإمام الشافعي رحمه الله: “وما الصمت إلا في الرجال متاجر .. وتاجره يعلو على كل تاجر”، ومن منطلق هذا البيت الفريد، أطلق المغردون حملةً واسعةً في تويتر تحت اسم “اعتصام صامت”، وقرروا أن يكون تجمّعهم في ساحة الإرادة يوم الأربعاء الموافق 5 اكتوبر المقبل بلا خطب عصماء، وبلا كلام مكرر، وبلا نائب متمصلح، وبلا سياسي متسلّق، وبلا نائب سابق يرى في التجمعات الشبابية “وسيلة” قد تعيده لقبة عبدالله السالم.. بلا وبلا وبلا.. ولهم الحق فيما يريدون. ويجب على القوى السياسية تلبية نداء الشباب هذه المرة، كما لبّى الشباب نداء القوى السياسية في 21 سبتمبر.

الشباب هم سبب استمرار التجمّعات، وهم من يحددوا قوة هذا التجمع من ذاك، وهم وحدهم هم من يرجّح الكفة دائماً، بحضورهم الكثيف يعلنون رفضهم، وبتفاعلهم وصيحاتهم، يوجهّون سهام غضبهم وامتعاضهم، والمطالبة بعزل رأس الفساد وأعوانه، وهم من انتفض لحرمة المال العام والمادة 17 من الدستور (للأموال العامة حرمة وحمايتها واجب على “كل” مواطن)، وهم من شنوّا الحملات بحثاً عن الملايين التي وُزِّعت على النواب والبنوك والبيوت وبعض “دواليب” غرف النوم، وغيرها مما لا نعلمه بعد. الأموال العامة خصخصوها وقسَّموها ووزَّعوها لهم ولصحبهم الأقربون، فكان الشباب على الموعد، وردوا على انتهاك أموالهم رداً قاسياً يوم الأربعاء الماضي، وستكون لهم كلماتٌ ولكمات يوم الأربعاء 5 اكتوبر.. ولكنها ليست بالحروف ولا الجُمل.. بل بالصمت.

هذه المرة لن نسمح لكل متسلّق بالصعود على ظهورنا لغايةٍ في نفسه، ولن نجعل الطامح لكرسي (علي بابا والأربعين “كَبَتْ”) بالوصول لطموحه عبر جسر الشباب، ولن نصمت على من خذلنا بالأمس القريب، بأن يعود لنا ممتطياً فرسه، ومرتدياً ثياب الفرسان، لعلّ الذاكرة تخوننا وننسى مواقفه المتخاذلة، ولن نسمح للحركات السياسية المتواطئة سابقاً والمغلوب على أمرها حالياً، بالعودة لأضواء الصفوف الأمامية وقيادة الشارع تحت غطاء النُبْل والشرف.

والمهم بين هذه وتلك، أن لا تنشغل القوى السياسية فيما بينها من خلافاتٍ قد حُسِمَ أمرها وطُوِيَتْ صفحتها، ونجعل جُلَّ تركيزنا على القضية التي اتفقت عليها كل القوى السياسية عن بكرة جدّها السابع عشر، وقبل أن يشتدّ الخلاف بينها، فتتسرب قضيتنا من بين أصابع أيدينا بكل سذاجة، فيفرح العاذل بخلافنا، ويعود لاستفزازنا، فنختلف، فيفرح، فيستفزنا… إلخ.

وعوداً على ذي بدء.. أقول يجب علينا وعلى كل القوى السياسية، أن نعي جيداً.. بأن الشباب قد حسموا أمرهم، وقالوا كلمتهم الأخيرة.. الاعتصام القادم صامت، لا خطب ولا برو?ات للمقار الانتخابية، ولا تسابق على المايكروفونات.. وفي هذا المقام، أُذكركم ونفسي، بأن الاعتصامات الصامتة (المهم أن يكون دون منبر) هيَ من أسقطت عروشاً كنّا نظن بأنها خُلِّدت على عروشها؛ لذلك اقتراح المغردون هو عين الصواب ويجب علينا تأييده دون تردد، لعلّ وعسى نجني ثمار الصمت بعد خيبة الكلام. وقيل أن الصمت أبلغ من الكلام، وسيصل (صوت صمتنا) مدويّاً لمن يهمه الأمر.. وليكن شعارنا.. “ياحضرة الشعب.. اصمت!”.

***

يقول أبو العتاهية واصفاً تجمعنا الصامت:

يخوض أناس في الكــلام ليوجـزوا

وللصمت في بعض الأحـايين أوجـــز

إذا كنت عن أن تحسن الصمت عاجزا

فأنت عن الإبلاغ في القـول أعجــز

**

وكذلك الشاعر النبطي يقول في وصف أربعاء الصمت:

الصمت حكمة والحكي مصدر (إفـلاس)..

ولقيت في (صمتي) يزيد (احترامي)..

Twitter @ALHShaSh

[email protected]

أضف تعليق

أضغط هنا لإضافة تعليق

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.