قانون مطبخنا السياسي ينص على أن “قِدر” رئاسة المجلس لا تقف إلا على ثلاثة أحجار: أصوات الحكومة، تركيبة المجلس، ثقل المرشح القادم.
وطبعا المرجح الأقوى تاريخياً في معادلة “الطبخة” هو أصوات الحكومة، التي ستكون كما تعودنا نتيجة لا سبباً، بمعنى أن أصواتها ستكون ضمن المعادلة بعد علامة “=” لا قبلها، وبعد حساب “كم” تركيبة المجلس + و”كيف” ثقل المرشح، فالحكومة دوماً تبحث عن حليف لا صديق، ولذلك عليكم استبعاد كل الرسائل الحكومية الودية لمرشح ما ضمن ظروف معينة، الرسائل التي تحكمها تركيبة نيابية معينة، قد لا تتوافر في نتائج المجلس القادم، ولكم في طبعة السيد علي الراشد خير دليل، وكذلك استبعاد ظروف أي علاقة لا يصلح مقامها وميزانها لقياس مقام مرحلة جديدة تتغير بها عناوين موازين القوى وظروف التفاصيل، فقط اعلموا أن الحكومة تبحث في “حزاية الرئاسة” عن حليف مقبول ومفيد، لديه القدرة على رسم شكل تعاون مقبول معها يحميها كحد أدنى تحت قبة عبدالله السالم، ولا تريد صديقاً ضعيفاً– رغم قدرتها على حسم فوزه- قد يستنزفها في معارك أكوام القش التي قد تقصم كل قشة داخله ظهر بعيرها المثقل بالأحمال أصلاً.
وقبل مناقشة النتيجة أو “أصوات الحكومة” علينا أولاً توقع شكل أطراف المعادلة الأخرى، وهي التركيبة القادمة، وثقل المرشح المحتمل، هنا لا بد من فهم أن تركيبة المجلس القادم يرسم إطارها حالياً ثلاث حقائق واضحة: الأولى أن المقاطعة تلفظ أنفاسها الأخيرة ولم تعد موثرة في ميزان تركيبة المجلس القادم، ولا داعي للإسهاب في هذا الموضوع، فهو ضياء نهار لا يحتاج العقلاء إلى دليل لإثباته.
والثانية أن الشعور الشعبي العام متململ جداً، خصوصاً بعد انكشاف سندان التنمية تحت مطرقة الأزمات المالية، وقرارات التقشف الأخيرة التي زاد طينها بلة ضعف الخطاب الإعلامي للمجلس والحكومة، وكذلك أداء النواب الذي يرى القذى في عين القضايا التافهة وغير المجدية، ولا يرى الجذع في عين قضايا المواطن الكبرى، ولذلك يمكن توقع عاصفة غضب شعبية تجعل الأوراق الانتخابية تتساقط في خريف لن تعجب رياحه وزوابعه مزاج الحكومة وأعضاء المجلس الحالي، خريف سيأتي بمجلس غير مهادن تحرك أشرعته عواصف الإحباط الشعبي وتوجهها “دعوم” نحو ميناء التصادم مع الحكومة، لتفريغ شحنات ردات الفعل المكبوتة مباشرة على بلاط أرصفته.
أما الثالثة فتقول إن نظام الصوت الواحد لم يختبر فعلياً حتى الآن، فظروف المقاطعة وعزوف الكتل الكبرى فكرية كانت أم قبلية، وابتعاد الأسماء السياسية الثقيلة، كلها ساهمت في خلق صورة وهمية للتمثيل الحقيقي لأطياف الشعب، وهي صورة ربما تكسر بروازها وبقوة المشاركة القادمة، ومن هنا نستطيع رسم صورة واقعية ثلاثية الأبعاد للحضور الشعبي الحقيقي داخل المجلس، والذي حتماً سيكون ريحاً تبدد دخان أي قراءة مستقبلية للرئيس القادم عبر واقع أوجدته ظروف مختلفة، وقواعد كانت وما زالت بنتاً وحيدة لأبيها ميزان القوى وأمها ظروف المرحلة.
شكل المجلس القادم سيرسم حظوظ الطرف الثاني في معادلة الرئاسة، والذي سيجعل برادة حديد أصوات الحكومة تتجه نحو مغناطيس الحليف المحتمل أو “الريس” الأكثر فائدة والأقل ضررا، وهذا سيكون موضوع المقال القادم بإذن الله.
أضف تعليق