أكتوبر.. تصحيح التاريخ
حمد الجاسر
تحل اليوم الذكرى 38 لحرب السادس من أكتوبر 1973، هذه الحرب التي بدأها المصريون والسوريون بشيء من النجاح التكتيكي، ثم انقلب الأمر هزيمة كاملة، إذ توقف إطلاق النار في 24 من ذاك الشهر والجيش الإسرائيلي يحاصر 40 ألف جندي من الجيش الثالث المصري، ويتقدم نصف المسافة إلى العاصمة السورية دمشق.
ومع ذلك فإن نظام «23 يوليو» المصري ونظام آل الأسد السوري احتفلا على مدى 38 عاما بنصر أكتوبر المصري (تشرين السوري) العظيم، وكتب التاريخ الوطني في البلدين ـ وبقية الدول العربية تبعا ـ بأن حرب 1973 كانت انتصارا مسح عار هزيمة 1967 وأعاد الكرامة العربية!
وبلغ من تكرار هذه الكذبة في الثقافة الرسمية وفي الأدب والروايات والسينما التابعة للدولة أن غالبية العرب لاتزال تظن ذلك صحيحا، مع أن نظرة واحدة إلى الخريطة تظهر الحقيقة المحزنة.
أحداث الربيع العربي قد تغير هذا، ففي كل بلد هبت عليه رياح هذا الربيع ستجد النخبة المثقفة نفسها أمام واجب إعادة كتابة التاريخ المعاصر على أسس موضوعية، لأن ما هو موجود في الكتب المدرسية والثقافة الموروثة ليس إلا تزويرا.
في تونس مثلا سيعاد كتابة وفهم «البورقيبية» والعلمانية المتطرفة التي حكمت لأكثر من خمسة عقود.
في ليبيا يجب إلقاء جميع المناهج التعليمية في البحر، وكتابة التاريخ ـ وحتى الجغرافيا ـ من جديد!
في مصر سقطت مرجعية 23 يوليو، وصار على المصريين إعادة فهم 60 عاما من تاريخ ما بعد الملكية ـ وحتى الملكية نفسها ـ وباتت كتب التاريخ في حاجة إلى نقاش وتنقيح.
أما سوريا التي غطتها قشرة كاذبة من الثورية القومية على مدى 50 عاما، فعليها بعد زوال النظام مواجهة ماض عنيف ومظلم من التسلط البوليسي القائم على طائفية متوحشة.
وحتى في الأقطار التي لم يصلها الربيع ـ وإن لفحتها بعض رياحه ـ فإن حالة التمرد على الإعلام الرسمي والرغبة في تصحيح الأوضاع ستقود إلى حركة تصحيح للتاريخ المعاصر، فإذا كانت ثقافة النظام تتحدث عن إنجازاته العظيمة وتاريخه المجيد، فإن المواطن يسأل: إذن لماذا حاضرنا تعيس؟
في الكويت، مثلا، لا يوجد حتى الآن تأريخ موضوعي ودقيق لأخطر ما مر علينا من أحداث، وهو الغزو العراقي عام 1990، والتاريخ الرسمي لا يمس من ذلك الحدث إلا بعض البكائيات والعواطف الوطنية، لكن لايزال محرما نقد أداء الحكومة الكويتية تجاه التهديد العراقي قبل وأثناء وبعد حدوثه، والنص اليتيم الذي حاول ذلك كان تقرير لجنة تقصي الحقائق في مجلس الأمة، والذي لايزال مدفونا ومحظور التداول.
ولأن مجتمعنا الكويتي فشل في نقد أداء الدولة تجاه ذلك الغزو، كان مصيرنا أن أخطاء الغزو تتكرر الآن من قبل سياسة حكومتنا الخارجية، مع اختلاف فقط في جهة التهديد وطريقته.
وهناك قول مشهور بأن «التاريخ يكتبه المنتصرون» أما في عالمنا العربي، فالتاريخ كتبته الأنظمة المهزومة، وما لم يصحح الربيع العربي تاريخنا المزور، فإننا على موعد آخر من الهزائم.
أضف تعليق