أقلامهم

فهد البسام : الكويت مو أمك!

ما إن أعلن رسمياً موعد إجازة عيد الأضحى المبارك حتى يمم الكويتيون وجوههم شطر المطار والمنافذ الحدودية، لينفِّسوا عن فائض نشاطهم السياحي والتسوقي والترفيهي بأنواعه، في أنحاء المعمورة، فغدا الحصول على كرسي في طائرة مغادرة لا يقل صعوبة عن إيجاد الخل الوفي في هذا الزمن الغادر… عليهم بالعافية. لكني كنت أتمنى لو كان المنع من السفر من آليات الديمقراطية ونتائجها المباشرة، فيُمنع من السفر تلقائياً كل من يعارض أو يصوت لمنع أو إيقاف بعض الأنشطة والفعاليات في الكويت، ليعيش نتاج ما اقترف عقله، ويقرن قوله بالعمل، أو على الأقل منعه من السفر لدول بها الممارسات والمسموحات ذاتها التي يُطالب بمنعها، وهذا أضعف الإيمان.

أكاد أجزم بأنه عندئذ سيُحرم كثير من الكويتيين من نعمة السفر، وخصوصاً من يصفون أنفسهم بالمحافظين أصحاب المنزلة الوسطى الغريبة بين المنزلتين، الأحرار والإسلاميين، فهؤلاء كثيراً ما يدعون أنهم يمثلون الأغلبية ورأيها، رغم أن الواقع الاجتماعي والأخلاقي والجنائي لا يوافق زعمهم. صحيح أن مفهوم المحافظة لدينا أصلاً غامض وغير واضح المعالم، وغالباً هو أقرب في الأذهان للنفاق، وسرية تداول المعلومات عنه للتمسك بالعادات والتقاليد غير المتفق عليها أساساً، وهذا موضوع آخر لسنا في مقامه الآن، إلا أن هؤلاء المحافظين، مجازاً، لا يريدون للوضع أن يتغير، ويحبون تسجيل اعتراضهم فقط على كل بادرة انفتاح أو تطوير أو تسلية، لينالوا إعجاب الإسلاميين وتزكيتهم، الذين يستفيدون بدورهم من تكبير عقدة الذنب لديهم لينالوا أصواتهم بالانتخابات، ويدعون أنهم الأغلبية أيضاً فيزيدوننا مجتمعين انغلاقاً ومللاً، وهكذا يتم تبادل المنافع وإبقاء حالة المراوحة والتذمر والضيق قدر الإمكان ليستفيد منها الطرفان، أما إذا ما تم الانفتاح والتغيير بعدها بحكم الأمر الواقع كانوا هم -محافظين وإسلاميين- أول المنتفعين منه، والشواهد كثيرة لا تحصر، وكأنهم لم يرفضوا شيئاً من قبل.

بعد ذلك، لا يُقبل، وبدعوى المحافظة والمجتمع المحافظ المزعوم، أن تطالب حضرتك بمنع، أو ترفع صوتك برفض الحفلات والأغاني والموسيقى مثلاً وكل ما يدخل الفرح على النفوس بالمطاعم والأماكن العامة، وتتشدد عليها، ثم “تطق” تذكرتك وتسافر في كل فرصة لدول تبيح الخمور والحفلات بالشوارع، والمايوهات عالأرصفة، والكازينوهات بالسراديب، وتناكفنا بعدها على نسمات الهواء، فالتواجد حول الحرام في الكويت ليس بأشد إثماً من التواجد بقربه خارجها، هذا إن كان حراماً أساساً ما نريد، ولا تكذب على نفسك، قبل أن تكذب علينا، فتقول إنك تزور هذه الدول لجمال طقسها وبرودته، فمن يفرط بأخلاقه ومبادئه وما يظنه دينه من أجل بضع درجات حرارة أقل لن يجد شيئاً آخر أعز منها ليفرط به بعدها، كما أنه لا يوجد أجمل من طقس أفغانستان وأوزبكستان والسودان، لكننا لم نسمع عن أحد منكم ذهب ليقضي إجازته في كابول أو سمرقند أو أم درمان!

ارتَحْ قليلاً، فالكويت ليست أمك أو أختك أو بنتك، حتى تكون ولياً عليها أو مسؤولاً عنها، وتدعي الخوف على سمعتها، لتمنع ما لا تشتهي أو لا يناسب مزاجك فيها، هذا إن استطعت أصلاً أن تمنع أحداً عن شيء في هذا العصر، الكويت وطن ودولة وأرض تجمعنا باختلافاتنا واهتماماتنا وميولنا وأذواقنا، فما لا يعجبك لا تذهب له، ولن يأتي إليك بدوره، احفظ نفسك، ولا تظن أن طريقك للجنة يتطلب منك مراقبة أخلاقنا وتقييمها، فارحمنا وارحم نفسك، رعاك الله، ولا تنكد علينا بأفكارك وخيالاتك، ثم تسافر لديار الانحلال.

أضف تعليق

أضغط هنا لإضافة تعليق

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.