آراؤهم

المرأة السعودية.. من أنثى إلى مواطن

 إن القيود الهائلة والنظم الراسخة والعزلة الشاملة ساهمت في تدمير شخصية المرأة العربية عامة والسعودية خاصة، وأنتجت صورة نمطية جامدة للمرأة، من أبرز معالمها اعتبارها أنثى وليست إنسان! حيث ينظر الرجل للمرأة وتنظر المرأة لنفسها من زاوية كونها ذات أنثوية منبثقة عن الكيان الإنساني الذي تنتمي إليه، وبناء عليها فقد تحولت المرأة في بلادنا إلى شخصية أنثوية لا تمتلك صفة اعتبارية غير كينونتها النسائية المرتبطة ارتباطا جذريا بهيكلها الجسدي ذي القيمة المعنوية عند صانع القيم ألا وهو الرجل، الأمر الذي أحدث خللاً خطيراً على كافة أصعدة الحياة، ولعل أهم جوانب هذا الخلل يتمثل في التعامل القانوني مع المرأة السعودية من منطلق كونها امرأة وليست مواطنة! إذ إن أغلب القوانين المعاصرة تنظر لمواطنيها من زوايا مدنية لا دينية أو عرقية أو جندرية، وتتعامل معهم على أساس قانوني واحد في الحقوق والواجبات، ثم تنظم شؤونهم بما يتفق وتعددهم وتنوعهم الديني واللغوي والقومي والعنصري، إلا أن المرأة السعودية لم يتم التعامل معها على هذا الأساس؛ فقد عزلت عن الحياة وهمشت ووضعت لها قوانين خاصة تتفق مع هويتها الأنثوية، تلك الهوية التي لا تمتلك صفة اعتبارية موازية للرجل ومحصورة في كينونتها الأنثوية الجسدية ، وأصبح الخطاب التشريعي موجها للرجل دون المرأة، وذلك باعتبارها كياناً ذا منزلة أقل شأناً.
 
ولقد أصبحت المرأة بذلك أنثى خاضعة لا مشاركة، وغير قادرة على الحركة إلا تحت وصاية الرجل، في نطاق ضيق ومحدود وغير مؤثر.
 عندما تصنع القيم من طرف واحد فمن الطبيعي أن تكون مناهضة للأطراف الأخرى، وقيمنا العربية صنعها الرجل عادة من دون مشاركة المرأة، التي تعتبر العنصر الثاني في الحياة البشرية، وقد وضعت معظم النظم والقوانين بناء على الصورة النمطية للمرأة، والقائمة على كونها أنثى لا شريك حقيقي في الحياة، بالتالي تم استثناء المرأة من معظم التشريعات التي اقتصرت على الرجال صناعة وتطبيقا وأثرا ونتيجة.
 
  بيد أن السعوديين هم المجتمع الوحيد تقريبا الذين لا يمتلكون نظاما للعلاقة بين الجنسين! حيث يفرض المجتمع السعودي عزلة تامة على المرأة وفصلا جندريا بين الرجال والنساء؛ لذلك لا توجد ضوابط وأصول عامة للعلاقة بين الرجل والمرأة في مجتمعنا، فالمرأة أنثى وبناء على كونها كذلك لا بد أن تعزل عن الرجل، الذي هو الإنسان الحقيقي أما المرأة فهي أنثى الإنسان!
وقد خُصص للأنثى السعودية أماكن معزولة في كافة مجالات الحياة، والظريف أنها حتى في هذه الكانتونات لا بد أن تتعامل مع الرجل! فرجال الأمن الخاص هم القائمون على منع الشبان من دخول المجمعات التجارية وهم وحدهم من يتعاملون مع النساء! وبينما لا يسمح للمرأة بأن تكون بائعة في الأسواق المغلقة يسمح للرجال الأجانب بذلك، ولهم أن يتعاملوا مع النساء حتى في أكثر المنتجات خصوصية بالنسبة لهن! وعندما تمنع المرأة من العمل ككاشيرة، فإنه يسمح لها بأن تتعامل مع الرجال كزبونة! وعندما تمنع من قيادة المركبة، فإنه يسمح لها بأن تستقل سيارة أجرة مع سائق أجنبي من غير محارمها!!!
   لقد تفوقت المرأة الخليجية كثيرا على المرأة السعودية، وذلك سبب بسيط مركب! وهو أن القانون اعتبر المرأة في كثير من الأصعدة والشؤون إنسان ومن ثم مواطن، وبناء على ذلك وضعت القوانين والأنظمة التي تساويها بالرجل في عدد معقول ومقبول من المسارات الاقتصادية والاجتماعية والوظيفية، بعكس المرأة السعودية التي حصرت في هويتها الجندرية فمنعت من العمل؛ لأنها أنثى! ومن التنقل لكونها أنثى! ومن المشاركة في القرار والتشريع؛ لأنها أنثى! ومن المشاركة في الشأن العام والهم المجتمعي لكونها أنثى! لتصبح هويتها الأنثوية بمثابة تلك اللعنة التي تلازمها طوال حياتها في مجتمع قائم على سلطة ذكورية مطبقة.
   
 وقد ساعد الاقتصاد الريعي المتنامي في ترسيخ النظرة الدونية التوتارية للمرأة السعودية، إلا أن الاقتصاد السعودي اليوم جزء من اقتصاد العالم، ولم يعد النفط كافيا؛ لتحقيق الازدهار والرفاهية، خاصة مع التطور النوعي في الاقتصاد الدولي، حيث أصبح اقتصادا قائما على المعرفة بكل ما تتطلبه من تغيير في نظم الحياة الاجتماعية والثقافية، ويقوم عل حتمية استثمار وتنمية القوى العاملة الوطنية وضخها في الاقتصاد الوطني، وبالنظر إلى قوى العمل في المملكة فان نصفها تقريبا معطل؛ لأسباب دينية وقيمية، حيث تفرض القوانين العامة ونظم المجتمع قيود هائلة على مساهمة المرأة الاقتصادية على مختلف الأصعدة والمجالات، في تعارض مع متطلبات الاقتصاد الحديث القائم على استثمار الثروة البشرية وتنميتها .
 
 وتتجسد النظرة النمطية للمرأة السعودية في القرار الأخير بتعيينها في مجلسي الشورى والبلدي، حيث تصاعدت التصريحات والمقترحات الداعية بتخصيص مقاعد معزولة للعضوات، وان يكون التواصل معهن من خلال الدائرة الصوتية والتلفزيونية المغلقة، وما ذاك إلا استمرار لهذه النظرة الدونية للمرأة السعودية والتي تصر على اعتبار المرأة أنثى لا مواطنة! وتمثل إصرارا وترصدا على جعل انوثتها عائقا أمام نشاطها الطبيعي في المجتمع.
أتذكر أني قرأت خطابا رسميا يشير إلى مواطنة سعودية بلفظ المرأة! والواقع أنها ليست امرأة بل مواطنا يتحرك بصفته الفعلية والواقعية لمتابعة شانه المنظور في هذه الدائرة أو تلك، وقرأت ذات مرة خطابا يصف المرأة ب المدعوة! والحقيقة أنها مواطنة، وكان الأحق أن تخاطب في كلا الحالتين بكونها مواطنة وليست امرأة أو مدعوة.
  إن التفريق بين الذات الأنثوية والإنسانية للمرأة (والرجل أيضا) امر في غاية الأهمية والحيوية، لأنه بذلك سوف تتاح للمرأة فرصة واسعة للمشاركة في معظم إن لم يكن كافة أروقة الحياة العامة ، وستفتح أمامها كافة سبل التنمية والتطور والارتقاء ، فمثلا عند افتتاح نادي أدبي فان المرأة من حقها المشاركة في كافة أقسامه وأنشطته ، فالأدب والثقافة ليست بذات جنس حتى يقيد فيها الرجل أو المرأة ، وعندما تنظم انتخابات بلدية أو غيرها ، فان الباب مشرعا أمام المرأة للمشاركة دون إي قيود، لان تنمية البلاد وإدارتها ليست مقصورة على الرجال دون النساء أو العكس .
    
عند سيادة النظرة الإنسانية للمرأة ستكون في مجتمعاتنا سفيرة ومديرة ووزيرة وكافة المناصب القيادية والإشرافية ، لن يكون هناك أي معنى لما يسمى بتأنيث الوظائف أو فتح مجالات عمل للمرأة أو الاستثمار النسائي الخاص، لان كل ذلك متاحا دون تمييز على أساس الجنس أو اللون أو العرق ، ستكون الكفاءة وحدها من تحدد بلوغ هذا المنصب أو ارتقاء هذا المقعد .
 
 كلنا يعرف الدكتورة حياة سندي ، البر فسيرة السعودية المقيمة في لندن ، وكيف أتيحت لها الفرصة حتى أصبحت في هذا الشأن الرفيع. كيف بلغت هذه الدرجة العلمية ؟ لأنها تعيش في بلاد متقدمة، كل من يملك كفاءة وقدرة على تحقيق هدفه المنشود باستطاعته بلوغه دون تمييز بغيض قائم على الجنس أو اللون أو الدين، ولو تأملنا في بعض الآيات القرآنية، نجد هذا المعنى جليا، يقول الحق:
” يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى”
” يا بَنِي آدَمَ قَدْ أَنْزَلْنَا عَلَيْكُمْ لِبَاسًا يُوَارِي سَوْآتِكُمْ وَرِيشًا وَلِبَاسُ
” مَنْ عَمِلَ صَالِحاً مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُم بِأَحْسَنِ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ”
 فالخطاب القرآني في هذه الآيات وفي معظم آيات القران موجه للقارئ المسلم رجلا كان أم امرأة، إذ لا اعتبار للجنس في المخاطبة لان القران يخاطب الإنسان المؤمن بآيته بما هو إنسان يغظ النظر عن جنسه أو لونه أو عرقه، وفي نفس الوقت ثمة آيات تخاطب الرجال فقط دون النساء ، كقوله تعالى :” َاعْتَزِلُواْ النِّسَاء فِي الْمَحِيضِ وَلاَ تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّىَ يَطْهُرْنَ” وقوله :” وَآتُواْ النِّسَاء صَدُقَاتِهِنَّ نِحْلَةً فَإِن طِبْنَ لَكُمْ عَن شَيْءٍ مِّنْهُ نَفْسًا فَكُلُوهُ هَنِيئًا مَّرِيئًا “
 
  بتصوري إن على الناشطات السعوديات المشاركة الفاعلة في الشأن العام وعدم حصر أنفسهن في القضايا المتعلقة بالمرأة ، حتى يساهمن بإزالة النظرة النمطية السائدة في المجتمع السعودي ، والتي تحصر المرأة في هويتها الأنثوية ، لأنها من أخطر المعوقات التي لا بد من تجاوزها في هذه المرحلة المهمة من كفاح المرأة السعودية لنيل حقوقها.
 من جانب آخر، أعتقد أنه لا بد من تحقيق هدف مركزي وغاية استقطابية رئيسية تتمثل في التأسيس لوعي جديد قائم على كون المرأة أنثى في موضع الأنوثة، والرجل رجل في موضع الذكورة، وفي غير ذلك يتحرك كلاهما في الفضاء العام الذي يقوم على المشاركة والمساواة، فالمرأة الإنسان هي زوجة وأم وابنه وموظفة وسائقة وكاتبة وروائية وناشطة ومحامية ورئيسة ومستثمرة، إنها شاغلة منصب هنا وعضوة هناك، وقد تكون صاحبة شركة أو مؤسسة أو مصنع، إنها رئيس دولة هنا ووزير هناك ومستشارة…..إلخ، إنها كالرجل متعددة الأدوار، قابلة للتطور والارتقاء باعتبارها ذاتاَ إنسانية عاقلة ومسؤولة، ولتحقيق ذلك لا بد للمرأة أن تتحرك في الشارع كإنسان لا كأنثى! وأن تتعامل مع أفراد المجتمع بناء على ذلك.
 إن تعدد الأدوار لإنسان في محيطه الاجتماعي يشكل حالة طبيعية، أما حصره في دور واحد ليس سوى عار وجودي وتخلف اجتماعي وانهيار حضاري رهيب لا بد من الانعتاق منه من أجل عزة الإنسان وسموه ورفعته.

أضف تعليق

أضغط هنا لإضافة تعليق

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.