يوافق اليوم السبت الذكرى الأولى لانطلاق انتفاضة القدس (الانتفاضة الثالثة) التي تفجرت ردًا على الانتهاكات الإسرائيلية الجسيمة بحق المسجد الأقصى، واحراق المستوطنين لعائلة دوابشة في قرية دوما قضاء نابلس شمال الضفة الغربية المحتلة.
وانطلقت الشرارة في الأول من أكتوبر 2015؛ بقتل مقاومين فلسطينيين ضابط استخبارات إسرائيلي وزوجته في عملية إطلاق نار قرب مستوطنة “إيتمار” المقامة على أراضي قرى شرق نابلس، ردًا على جريمة حرق عائلة دوابشة.
وأكدت العملية إنسانية المقاوم الفلسطيني، فلم يقتل المقاومون أطفال المستوطنين الأربعة في عملية إطلاق النار؛ حيث قال أحد منفذيها إنه رأى الأطفال في المقعد الخلفي للمركبة التي هاجمتها الخلية ولكنه لم يتعرض لهم.
وزاد المستوطنين من هجماتهم على المواطنين في أرجاء الضفة، فشن مئات المستوطنين عمليات انتقامية واسعة؛ أصيب خلالها عشرات المواطنين، وحُرقت مئات الدونمات الزراعية، وهو ما خلق ردة فعل قوية من الفلسطينيين، لا تزال سارية حتى الآن.
ودفعت أعمال المستوطنين الشبان الفلسطينيين إلى تنفيذ العشرات من العمليات؛ حيث أظهرت إحصائية أن زخم أحداث انتفاضة القدس حققَ سابقةً لم تتكرر في تاريخ الشعب الفلسطيني، مشيرةً إلى أن عدد العمليات فيها لم تتكرر منذ عام 2004.
كما أظهرت إحصائية إسرائيلية ارتفاعًا بنسبة وصلت إلى أكثر من 300% في عدد القتلى من الجيش والمستوطنين مقارنة بالسنوات التي أعقبت انتهاء “انتفاضة الأقصى”.
وإثر تلك العمليات سيمت الانتفاضة بـ “انتفاضة السكاكين”، ما دفع الاحتلال للقيام بإعدامات ميدانية للفلسطينيين، حيث أظهرت إحصائية أن 68% من عمليات الإعدام للشبان الفلسطينيين خلال الانتفاضة تمت بمناطق الحواجز الإسرائيلية المنتشرة بمناطق الضفة.
وتحدث الجيش الإسرائيلي مع باكورة الانتفاضة أن هناك أجواءً مغايرة تسير على الأرض، ولكنها لم تصل بعد إلى مستوى الانتفاضة.
كما أظهرت الانتفاضة رفض القيادة السياسية الفلسطينية لاشتعال الأحداث، وقالت إنها: “لا تخدم المصلحة الفلسطينية”، فيما دعت الفصائل الفلسطينية في أكثر من وقت إلى تصعيدها وإدخال العمل المسلح إليها.
وظهر رفض السلطة بأكثر من موضع على لسان الرئيس محمود عباس؛ ووصفها بأنها “ردود أفعال سببها اليأس والإحباط”؛ مطالبًا مجلس الأمن الدولي بإنشاء نظام حماية للشعب الفلسطيني نتيجة ما يتعرض له من انتهاكات إسرائيلية مستمرة.
وفي رد على التصريحات المتكررة لعباس، وصف القيادي في الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين بدران جابر موقف الرئيس محمود عباس من الانتفاضة بأنه “مشين ومؤلم جدًا”.
وسعت السلطة مع اشتداد الانتفاضة إلى تسميتها بغير اسمها، حيث أطلقت عليها “هبة جماهيرية” وهو الدارج في خطابات القيادة السياسية.
كما اعترف مدير المخابرات ماجد فرج بتمكن أجهزة أمن السلطة من إحباط تنفيذ 200 عملية ضد الاحتلال الإسرائيلي في الضفة الغربية خلال الأشهر الثلاثة الأولى لانتفاضة القدس.
بينما طالب رئيس المكتب السياسي لحركة حماس خالد مشعل في 4 نوفمبر 2015 بضرورة الاتفاق على “استراتيجية وطنية وسياسية مشتركة للانتفاضة”، داعيًا في 13 نوفمبر 2015 إلى “تشكيل قيادة وطنية ميدانية موحدة لـلانتفاضة”.
ومنذ انطلاق الانتفاضة، حافظت على طابعها الشعبي، إذ إن معظم العمليات خططها ونفذها شبان أخذوا قرارهم بأنفسهم، ودأبت الفصائل الفلسطينية على الترحيب بتلك العمليات.
وتنوعت العمليات الفلسطينية بين الطعن، والدهس، وأحيانًا إطلاق النار، وسجلت القدس المحتلة والخليل العدد الأكبر من تلك العمليات.
وحول الأسلحة المستخدمة في الانتفاضة، فقد نوّع المقاومون الفلسطينيون بين استخدام أسلحة الاحتلال بمواجهة المستوطنين عبر الاستيلاء عليها وتنفيذ عمليات بها، واستخدام سلاح “الكارلو” البدائي.
وحول تأثيرات الانتفاضة على الوضع الداخلي الإسرائيلي، أكدت دائرة الإحصاء الإسرائيلية حدوث تراجع كبير في حركة السياحة إلى الكيان بسبب تواصل العمليات، كما بين استطلاع للرأي العام الإسرائيلي امتناع أكثر من نصف الإسرائيليين عن زيارة القدس المحتلة خلال نهاية العام الماضي خوفًا من التعرض للعمليات.
وقدمت الانتفاضة عددًا كبيرًا من الشهداء، حيث ارتفع عددهم بفعل اعتداءات قوات الاحتلال الإسرائيلي والمستوطنين؛ وبلغ حتى كتابة هذا التقرير 250 شهيدًا، بينهم 105 منذ بداية العام الجاري (2016)، فيما سجلت الخليل العدد الأعلى بـ 77 شهيد.
يذكر أن قوائم وزارة الصحة لا تشتمل على ثلاثة شهداء وهم الشهيد شادي مطرية من البيرة وسط الضفة والشهيد نشأت ملحم من الداخل المحتل، والشهيد خليل عامر من سلفيت شمال الضفة.
وكانت مصادر فلسطينية أوضحت أن قوات الاحتلال أعدمت 150 مواطنًا، منهم 59 طفلًا على خلفية تنفيذ أو محاولة تنفيذ عمليات طعن أو دهس؛ (بينهم شهيدان عربيان هما: كامل حسن من السودان وسعيد العمرو من الأردن).
كما أفادت المصادر بوقوع أكثر من 12 ألف إصابة منذ بدء الانتفاضة موزعة بين مناطق الضفة والقدس والداخل المحتل، منهم 300 إصابة بالرصاص الحي.
كما ارتفعت الاعتقالات بشكل كبير، حيث بلغ عدد المعتقلين منذ بداية الانتفاضة نحو 8500 أسير وأسيرة.
واستخدمت قوات الاحتلال في مواجهة الانتفاضة ووأدها عدة خطوات، كان أبرزها: هدم البيوت و”احتجاز الجثامين” والاستعانة بـ “المستعربين”.
ففي خطوة عقابية لأهالي الشهداء، اتبعت قوات الاحتلال سياسية احتجاز جثامين الشهداء، بينما خرجت عدة حملات مناديه باستعادتها؛ فيما لا يزال حتى اللحظة 17 جثمانًا محتجزًا، وجميعهم من محافظات الضفة.
كما استعانت قوات الاحتلال لمواجهة الانتفاضة بالقوات الخاصة الإسرائيلية “المستعربين”، وذلك عبر دسهم في المواجهات الدائرة مع الشبان الفلسطينيين بالضفة الغربية، والانقضاض على ملقي الحجارة والزجاجات الحارقة منهم.
كما أظهرت الانتفاضة أصالة الشعب الفلسطيني، وذلك بخروج حملات إغاثية بعدد من مدن الضفة بهدف جمع تبرعات لعوائل منفذي العمليات التي هدم الاحتلال بيوتهم؛ لإعادة بنائها من جديد.
ورافق الانتفاضة حركة فنية داعمة لمجريات الأحداث الدائرة، من خلال الأناشيد الحماسية، والداعية إلى الثأر، كان من أبرزها أنشودة “أخت المرجلة” والتي عدّها الاحتلال سببًا في عدد من العمليات، بالإضافة إلى نشر اللوحات الفنية والتصاميم عبر مواقع التواصل الاجتماعي.
ووقفت الكثير من وسائل الإعلام الفلسطينية والعربية في خانة دعم الانتفاضة، ما عرّض عدد كبير منها للإغلاق واعتقال العاملين، وكان من أبرزها: إغلاق بث قناة الأقصى، واعتقال طاقم إذاعة السنابل في مدينة دورا جنوب مدينة الخليل ومصادرة كامل محتوياتها.
ومع بوادر الانتفاضة، سعى مجلس الوزراء الإسرائيلي، ومجلسه المصغر “الكابينت”؛ إلى وأدها في مهدها؛ وعقد لذلك عددًا كبيرًا من الاجتماعات على مدار العام الماضي، لبحث المستجدات والعمليات البطولية الجارية على الأرض، لكن دون بوادر لنجاح وسائل “الردع” المُتبعة.
وتربع على تلك القرارات إطلاق يد الجيش لقتل ملقي الحجارة والزجاجات الحارقة؛ حتى لو لم تكن حياتهم معرّضة للخطر، وتفويض قادة الجيش بالضفة بفرض حصار شامل على البلدات التي يخرج منها منفذو العمليات كنوع من العقاب الجماعي، دون الحاجة للرجوع للمستوى السياسي.
كما قرر القيام بحملة اعتقالات واسعة بصفوف حركة حماس بالضفة الغربية، وحظر دخول الفلسطينيين إلى معظم مناطق الداخل، وإغلاق وسائل الاعلام التي تبث “التحريض”.
وأدت الأحداث المتسارعة للانتفاضة إلى تظاهر آلاف الإسرائيليين بالميادين احتجاجًا على تدهور الوضع الأمني، وانعدام الأمن الشخصي للإسرائيليين.
ومع تلك القرارات إلا أن جذوة الانتفاضة لا زالت مستمرة، متخطيةً عامها الأول؛ رغم الجهود التي يبذلها جيش الاحتلال، أو تلك التي يقودها السياسيون.
فقد سُجل أكثر من 288 عملية فدائية منها 121 عملية طعن، و27 دهس، و100 إطلاق نار، قتل فيها 40 إسرائيليًا، ونحو 672 مصاب من بينهم إصابات خطيرة.
أضف تعليق