تتلعثم العبارات، وتتداخل الحروف والكلمات عندما تريد الحديث عن رجل صاغ المجد قبل رحيله، عن إنسان أحبه البعيد والقريب، وسعد بلقياه الكبير والصغير.
رجل عفيف اللسان، طاهر الأردان، أحبه كل من قابله، وأنس برفقته كل من صاحبه.
إنسان صاحب ابتسامة صادقة، ودمعة سريعة، وقلب رقيق.
إذا جئت للحديث عن عطائه فهو من أكرم الناس، وإذا ذُكِرَتْ النخوة والفزعة والشجاعة فهم من أهلها.
يقول الحق ولا يخاف في الله لومة لائم.
كرّس حياته لعمل الخير في مجالات عدة، فقد عُرِف «أبو سعود» – رحمه الله – بجهوده التطوعية في العمل الخيري الإنساني، وكان نائب الرئيس لإحدى لجان الزكاة.
وكان رحمه الله من العالمين في الحقل الدعوي، وطالما ذّكر إخوانه وأصدقائه بواجبهم تجاه الله تعالى من خلال خواطره الإيمانية والتربوية.
كما أنه من أبرز الشخصيات السياسية على ساحتنا المحلية، لمواقفه الرجولية، وطرحه الصادق لما فيه مصلحة العباد والبلاد.
«فلاح الصواغ»، كان من السياسيّين القلة الذي لم يستغلوا مناصبهم لمصالحهم الشخصية، ولم تغريه الأموال السياسية التي سال لها لعاب آخرين، فلم يغيّر مبادئه، ولم ينحرف عن مسار الإصلاح الذي رسمه لنفسه عند دخوله المعترك السياسي.
ومن أبرز أبيات الشعر التي كان يرددها رحمه الله:
رَجْلٍ على داره ما هو حِرْصٍ ويغير… عزّ الله أنه من ضُعوف الرجال
ماني وأنا فلاح رجلٍ مِعِيثير… لا صار في الموضوع مس الحِبال
ما هَفِيت نفسي لأجل كسب الدنانير… أحلف لكم بالله عزيز الجلال
لم ينس «أبو سعود» قضايا أمتيه العربية والإسلامية، ولذلك كان من أول المشاركين في الندوات التي تقام نصرة لقضايا المسلمين، كفلسطين وسورية، وكانت له وقفات احتجاج عند سفارات الدول التي كانت تقتل أو تدعم قتل المسلمين.
وعمل رحمه الله تعالى جاهدا في إغاثة الملهوفين والمكروبين، وسعى مخلصا لدعم الأحرار المعتدلين في الثورة السورية.
ومن مواقفه الإنسانية التي حضرتها شخصيا، عندما رافقته مع بعض الأخوة في رحلة إلى تركيا فجاءنا أحد المحتاجين ومعه بعض الأغراض التي يبيعها، فاشتراها فلاح كلها.
فقال بعض الأخوة: ما حاجتك لها؟ فقال: «في الكويت مثلها كثير، لكن هذا الرجل واضح أن وراءه عائلة وهو محتاج للمال».
ومن شدة حرصه – أبو سعود – وحبه للخير، أنه بعد أن دفع ثمن الحاجيات، سأل الرجل عن مدى حرصه على الصلاة، ثم أخذ يُذكّره بأهميتها، ووجوب المحافظة عليها.
ومن أعماله الإنسانية، ما أخبرني عنها أحد الأخوة الوافدين – وهو مصاب بالسرطان – أنه كان كثير التردد على الصواغ – رحمه الله – من أجل الحصول على ثمن العلاج، و لم يكن «أبو سعود» يُقصّر في مساعدته.
عزاؤنا في أبو سعود – رحمه الله تعالى – كثرة ثناء الناس عليه، وذِكرهم لمآثره ومحاسنه، وحرصهم على الصلاة على جنازته، حيث ازدحمت المقبرة بالمشيّعين، والناس هم شهداء الله في أرضه.
لقد رحل فلاح الصواغ سريعاً قبل أن يتمكن كثير من إخوانه وأحبابه من ودائعه، وعزاؤنا أن هناك داراً آخرة يلتقي فيها من اجتمعوا على الأخوة والمحبة في الله، ونشهد الله تعالى على محبتنا لأخينا فلاح، ونسأل الله تعالى أن يجمعنا وإياه في الفردوس الأعلى.
نمْ يا أبو سعود في قبرك مطمئنا هانئا، واعلم أن لك أخوة وأحبة سيبقى دعاؤهم لك ما بقي في الأجساد من روح، وفي الصدور من أنفاس.
أضف تعليق