تعيش الكويت على مستوى العمل السياسي والبرلماني مرحلة حرجة من تاريخها، لم يسلم أي منحى من مناحي الحياة فيها من التأثر مما آلت إليه الحالة السياسية العامة، فالفساد ومظاهره ورموزه قد تمكنت من البلد، ونخرت فيه بصورة مخيفة، فالفساد السياسي لحق بأغلب السلطات العامة التي صارت حاضنة له، وجل اهتمامها إفساح المجال له والاقتيات عليه، وهو ما برزت معه رموز منافسة له بين أضلع هذه السلطات، بما في ذلك عدد من الوزراء والنواب، وقد انعكس هذا على معظم مؤسسات وأجهزة الدولة، حيث تم تسخيرها للسير في هذا المجال أو تم وضعها في سياق منظومة الفساد.
ولا يخفى حجم الضرر الذي لحق تكوين السلطة التشريعية، التي أريد لها أن تكون سلطة صورية بتواجد هامشي في الحياة السياسية، فقد طفت الى السطح نوعية جديدة من نواب الفساد تشرعنه وتجاهر به، إلى جوار طبقة نواب الفساد السابقة بكل فئاتها وفنونها بادعاء الوطنية أو المعارضة، وهم غارقون في الفساد، إذ ان مصلحة الوطن آخر اهتمامهم، يسخرون كل شيء لمآربهم ومصالحهم الشخصية، وبيت الداء في تكوين السلطة التشريعية هو قانون الدوائر الانتخابية ونظام التصويت المصاحب له، وهو بدأ منذ عام ١٩٨١ بنظام الـ٢٥ دائرة وصوتين، وقد نتج عنه أسوأ ظواهر إفساد عدد من أعضاء مجالس الأمة، من خلال شراء الأصوات وتشجيع الولاءات الفئوية على حساب الوطن، ثم رسخ هذا الوضع بنظام الـ٥ دوائر بأربعة أصوات، الذي زاد من تسارع نماذج شراء الأصوات وتأطير الولاء الفئوي وتكريس الترشيح الفردي، ولازم ذلك تبادل الأصوات ونقل قيود الناخبين وتفتيت الولاء الوطني، وكل ما حققه هذا النظام تحقيق مطامح زعامات سياسية وبرلمانية كانت ترى استمرارها غاية تبرر إفساد النظام الانتخابي تحقيقا لمصلحتها، «فالغاية تبرر الوسيلة»، وجاء نظام الـ٥ دوائر بصوت واحد ليعزز كل مظاهر الفساد السابقة ويخرج لنا مجاهرون بالفساد وتمزيق إضافي للولاء الوطني الذي جر وبالا على البلد وأوصله لأسوأ مراحل الفساد السياسي بكل المستويات.
ولا سبيل لأي إصلاح للبلد ما لم يتم إصلاح نظام الدوائر ونظام الانتخابات بنظام يحاكي البناء الوطني للسلطة التشريعية، وأظن أن نظام الدوائر الـ٥ المكون من ناخبين على أساس يوم ميلاد الناخب وبتكوين عشوائي متغير كل انتخابات مع الصوت الواحد للقائمة على أساس التمثيل النسبي، هو الأفضل والحل الحقيقي، وقد قدمته بتفاصيله على قنوات الراي واليوم، لمن يرغب في فهم تفاصيله، ونشرت نظامه كاملا، آملا أن يأتي من يتبناه اخراجا للبلد من دوامته، وهو يحتاج الى شخصيات تتجرد من مصالحها الشخصية أو الفئوية أو الحزبية، وترعى مصلحة البلد من دون أي اعتبار آخر، وآمل أن يكون ذلك قبل الانتخابات المقبلة حتى لا يصل البلد الى مرحلة اللاعودة، وإن لم يتحقق ذلك فأدعو الى تكوين قائمة من المرشحين بعيدا عن الوجوه الحاضرة في العملية السياسية اليوم، لتكون قائمة انقاذ البلد، وليكن أقلها من خمسة والأفضل عشرة، يكون عملهم وهمهم وغايتهم تدارك البلد قبل أن يبلغ مرحلة اللاعودة، وأنا متفائل من إمكانية تحقق ذلك، وصدق المثل القائل «واشتد يا أزمة تنفرج».. وللحديث عودة وتتمة.
أضف تعليق