قبل ومع بداية كل دور انعقاد لمجلس الأمة يخرج إلينا شلة الطابور الخامس من بعض الكتاب وبعض وسائل الإعلام وبعض أعضاء مجلس الأمة وبعض المواطنين في محاولة للتسويق لأجندات معينة أو للتشويش على بعض المطالب والحقوق للمواطنين وتشويه صورة من يطالب بها والتشكيك بوطنيته. وبهذا تعيش البلاد سلسلة من الأزمات التي تحصل تارة بقصد وتارة أخرى كردة فعل لأزمة سابقة. وبناء على ذلك نعيش بين فترة وأخرى على صدى تلك الأصوات الشاذة التي تحاول ان تخرق الجدار الهش للوطنية في مسعى منها لاستقطاب أكبر عدد من أبناء هذا المجتمع الطيب.
وللأسف، إن تلك الأبواق والأصوات الشاذة هناك من يدعمها من أصحاب القرار والمتنفذين، وتجد أرضية خصبة لها عند بعض النازيين والمتشددين والمتطرفين فكريا، وعند الكثير من الجهلاء، والخسران في المحصلة النهائية هو الوطن. وغالبا ما يكون خلال تلك الفترات البغيضة اللوم موجها إلى السفهاء وبعض أعضاء السلطة التشريعية على أنهم من يحاول إشعال الفتنة سواء بقصد أو بغير قصد.
والمتابع للأحداث السابقة يرى أن أغلب هؤلاء الأشخاص المثيرين للفتن لا يدانون أو يقدمون إلى العدالة أو حتى لا يتم توبيخهم من قبل الجهات الأمنية أوالقانونية، مما يدقع بالفئة التي تم ازدراؤها المحاولة؛ لأخذ حقها بيدها، وبالتالي يتمادى كل طرف في كل مرة على انتهاك وحدة هذا المجتمع، وتخترق فيه القيم والأعراف والأخلاق، مما يزيده فرقة باطنية لايدركها إلا من هو دقيق ومتمحص لخصوصية وذي معرفة بمكوناته وأطيافه.
ومن المفترض ألا نبرئ جميع أولئك من الأخطاء التي يقعون بها بحق هذا الوطن الطيب الحاضن للجميع. ولكن لو تمعنا في تلك الازمات لوجدنا ان السلطة التنفيذية ربما هي المتسبب الرئيسي في كل مايحصل بداية بعدم تطبيق القانون، وانتهاء بحماية من يحاول تمزيق النسيج الاجتماعي.ونحن هنا لا نسيء الظن بل نحسن النية انها قد لاتسعى الى ذلك الانشقاق المجتمعي بقصد, وربما يرجع ذلك الى سوء تصرف او تقدير او ادارة من قبل المنفذين للسياسات العامة سواء التكتيكية او الاستراتيجية,وذلك لانه لم يتم اختيارهم على أسس علمية وانما للمحسوبية والتنفيع.
ونرى أن الحكومة عملت منذ وقت ليس بقريب على فرز هذا المجتمع طائفيا وايدولوجيا وعائليا وقبليا بدلا من العمل على دمجه من خلال استخدام تلك الاوراق والتناقضات سياسيا.وقد يتضح ذلك جليا من خلال توزيع الدوائر الانتخابية. فلماذا لا تكون الكويت دائرة واحدة او عدة دوائر لاتخدم التوزيع الفئوي؟ حتى لو استدعى ذلك تعديل مايتعلق بذلك الشأن من مواد الدستور.ولكن نعتقد ان هناك اشكالية تتمثل بعدم الثقة بالحكومة, مما يجعل الغالبية تتحاشى المطالبة بتعديل اية مادة دستورية.
فلو نظرنا الى التوزيع الجغرافي للمناطق الانتخابية لوجدنا ان الحكومة تتجاوز الحدود الجغرافية لبعض الدوائر الى مناطق أخرى في دوائر أخرى لترجح كفة فئة على فئة أخرى,فبدلا من ان تجمع وتدمج المواطنين نجدها تفرزهم وتعزز ذلك الانشقاق من خلال سوء التوزيع الانتخابي.ولعل الدليل على ذلك ان هناك مناطق تخضع لنفوذ قبيلة او طائفة او توجه معين.لماذا لا يتم توزيعها على أطر وأسس منهجية وطنية؟
بالإضافة إلى أمور كثيرة لعل أبرزها واخطرها الاتجاه نحو المحاصصة في أي تشكيل وزاري أو أي تعيين لاية جهة قيادية. وخاصة ان هذه المحاصصة عادة ما تكون لصالح عائلات معينة ومحدودة حتى وصل الامر الى ان احدى العائلات تم توزير ثلاثة من ابناءها يسكنون في منزل واحد.ونحن لانحسدهم لانهم من مكونات هذا المجتمع ولا احد يحجر عليهم ذلك الحق او الاختيار. ولكن نعتقد ان هذا الاتجاه يدفع بالمجتمع الى الشعور بالتفرقة والضرر بالعدالة,وهذا يؤدي الى اليأس وربما ايضا الاحساس بالحرمان.فلماذا لايكون شعارنا الكفاءة والرجل المناسب في المكان المناسب.
هذه بعض المؤشرات الخطيرة لفرز المجتمع والدفع به الى انتهاج التحزب والتخندق لطائفته لنيل حقوقه,قد يكون من السهل تجاوزها بحكومة قوية اقتداءً بقول الله تعالى (ان خير من استأجرت القوي الامين), تسعى الى تطبيق القوانين بحذافيرها على الكبير قبل الصغير وعلى الغني قبل ذوي الدخل المحدود للحفاظ على النظام, وبالتالي النهوض بالدولة وترسيخ مشروعها الوطني والتنموي اللذين مازالا غائبين.ونعتقد ان الحكومة في المرحلة الانية لا تستطيع وحدها تجاوز هذه المخاطر لانها ضعيفة, وربما ما قد يساعد على تجاوز ذلك تعاون أطراف كثيرة,منها:
-الاعلام المهني الموضوعي الشفاف.
-العقلاء والخبراء والمتخصصون.
-المواطن بمراعاته لله ومن ثم الوطن عند اختيار من يمثل الامة.
-الحزم في تطبيق النظام من قبل الجهات المختصة ولكن من غير ازدواجية او انتقائية في تطبيقة وخاصة ضد أصحاب الطابور الخامس.
-زرع الحس الوطني وتعزيزه لدى النشئ من قبل المنزل والجهات التربوية والدينية.
-الدمج على كافة المراحل التعليمية والتدريبية.
-عدم التخندق الطائفي خلف اي متشددا من اي طرف.
وأخيرا، ننصح ونحذر في نفس الوقت من استخدام ورقة الطائفية أو التناقضات الاجتماعية في اللعبة السياسية في الوقت الراهن؛ لأن الزمن تغير والإعلام الرسمي الذي تم استغلاله لتجيير قناعات البشر انتهي وقته وتأثيره، حيث أصبح المواطن يستقي كل ماهو جديد من جميع وسائل الاتصال التكنولوجية الحديثة والخاصة سواء المقروءة أو المسموعة أو المشاهدة والتي يصعب السيطرة عليها.
وبالتالي فإن المواطن البسيط يتأثر بالاستغلال السيء للسطلة وبما يثيره مثيرو الفتن من الطابور الخامس مما يكون لديه صورة نمطية او ذهنية سلبية تعزز التخندق للفئة التي ينتمي اليها، فالصراع الطائفي او العقائدي متى ما ابتدئ فإنه من الصعب التحكم به، لأنه صراع لايقبل المساومة، قد نعالجه في وقت محدد، ولكن ربما من العسير التوصل إلى حل أو اتفاق نهائي حوله على المدى البعيد.
صحيح أن الحكومة كان لها تجربة سابقة في اللعب بورقة التناقضات الاجتماعية؛ لتنفيذ برامجها ولتسيير العملية السياسية في صالحها حيث استخدمت وتحالفت مع مكونات المجتمع المختلفة في أوقات متفرقة سواء البدو او المتديين أو الشيعة أو التجار. ولكن تأثير سياساتها على العامة عندما تحالفت البدو وكذلك االمتدينين كان أقل وذلك لسيطرتها على وسائل الاعلام في الدولة وذلك بخلاف مانعيشه اليوم من ثورة إعلامية.فالمواطن أصبح يرى ويسمع كل مايدور في نفس الوقت.وفي النهاية نتمنى الامن والاستقرار للكويت واهلها, وان يتم الله علينا بنعمتة دائما، وأن تصفى جميع القلوب، وأن تتوحد الجهود لخدمة هذه الارض الطيبة.
د.عبدالعزيز محمد العجمي
Twitter: @Dr_Abdulaziz71
أضف تعليق