طالب عضو البرلمان السويدي لوكاس ويلهامسون وزير العمل بالحكومة السويدية أولف أوليغ، بمصادرة كعك العيد الإسلامي المعروض على أرفف جمعية استوكهولم التعاونية بمناسبة عيد الفطر، وناشده القيام بكل ما يلزم لحماية القيم البروتستانتية الراسخة للشعب السويدي، وقد استجاب وزير العمل مشكوراً لمناشدة النائب وتمت سريعاً مصادرة كل كعك العيد، الأمر الذي لقي فرحة شعبية واسعة بين جموع السويديين والسويديات، وعمّ الفرح والسرور أرجاء السويد وإسكندنافيا ومن يعز عليها.
سيناريو الخبر السابق طبعاً غير صحيح، فهو من بنات أفكاري، حفظ الله لكم بنات أفكاركم ورزقهن المبدأ الصالح وذرية المنطق السديد المباركة، ولكنه مع هذا مقتبس عن قصة حقيقية حدثت هنا مؤخراً في الكويت مع اختلاف التفاصيل طبعاً، فكعك العيد كان شجرة عيد ميلاد، وجمعية استوكهولم كانت جمعية الدسمة، أما النائب المناشد لوكاس فهو أسامة الشاهين والوزير أوليغ هو هند الصبيح، أما الفرحون والفرحات فأنا وأنتم وهو وهي وهؤلاء والعريس والعروسة وكل المعازيم في حفلة “هاشتاقي فوق الشجرة”.
اللافت للنظر بين الخبرين هو أن الخبر الأول سيزعج حتماً أبطال الخبر الثاني أيما إزعاج، وسترتفع حرارة سخطه إلى 60 درجة “هاشتاقية”، بينما الخبر الأصلي أسعدهم وأثلج صدورهم، حتى أمطرت أضلعها برداً وسلاماً على مروج مواقع التواصل، فما الذي جمع الشتاء والصيف في قلب خبر واحد، رغم أن الخبرين “توأم سيامي” صعب جداً فصل مبادئه عن بعضها، فكلنا يعلم أن الحرية الدينية مبدأ إنساني واحد، لا يتأثر بوسوسات توقيت غرينتش، ولا بهلوسات خطوط الطول والعرض، ولا يهمه “لام التعريف”، فهو لا يريد أن يناسب أحداً أو يخطب وده، بل يريد أن يكون متناسباً مع أدنى درجات الخطاب المنطقي البشري.
إذاً ما الذي يجعل قومنا يكتبون التغاريد لشجب لوكاس ووزيره أوليغ وأمهما السويد لقمعها كعك المسلمين على أرفف جمعية استوكهولم، ثم يأتي القوم أنفسهم بشحمهم ولحمهم “يسجبون سايد مبدأ الحرية الدينية” فجأة، ليشكروا الشاهين والصبيح لمنعهما شجرة الميلاد عن المسيحيين في جمعية الدسمة! أليست الشجرة أيضاً عادة احتفالية، كما هو حال كعك العيد! أليس “الآخر” حراً في ممارسة شعائره، كما أن “الأخ” حر في ممارستها!
هناك نقطة مهمة جداً في هذا الموضوع، لابد من الالتفات إليها بعين الواقع، لا بعين مواقع “الهاشتاقات” وغيرها، وهي أن صراخنا القامع للآخر في بلادنا سيتردد صداه نحو وديان ملايين المسلمين في الغرب، فالإسلام اليوم الدين الثاني في أوروبا والغرب، وإخواننا هناك يواجهون حالياً هجمة شرسة من الأحزاب اليمينية والإعلام الموجه الذي تزداد حدته يوماً بعد آخر، وطبعاً مع مناشدة أخرى للشاهين وغيره، والتي تحف بموكبها كالعادة هاشتاقاتكم الغاضبة، سيتخذ جلادوهم “شيزوفرينيتنا” المخجلة في معاملة الآخر حجةً للتضييق عليهم وحرمانهم ممارسة شعائرهم الدينية، فهل ستكون شجرة ما تباع كسلعة في جمعية استهلاكية سبباً مقنعاً لإعطاء الآخر فأساً حاداً، وتركه يمضي قطعاً لكل الأشجار الإسلامية المثمرة في الغرب، بل هل نستطيع لومه بعدئذٍ لأنه فعل ما فعلناه بالضبط شبراً بشبر وذراعاً بذراع، صدقاً أقول لكم: إن لمناه فقد زادت أمراضنا النفسية مرضاً آخر يضاف إلى “الشيزوفرينيا” إياها، مرضاً آخر يسمى “العته”!
أضف تعليق