كأن التاريخ السوري الحديث يعيد نفسه من جديد، وربما أن العدوان والمجازر ضد الإنسانية باتت عادة متأصلة في الرؤساء العرب الجاثمين على كراسي حكمهم والمتشبثين به ولو يصل الأمر إلى أن يقتلوا جميع أفراد شعبهم من غير أية رحمة ولا شفقة. ففي سنة 1982 لا يخفى على العالم أجمع ما فعله الرئيس السوري السابق حافظ الأسد بمدينة حماة التي قتل بها قرابة الأربعين ألف مواطن سوري وشردت وهاجرت عشرات الآلاف من الأسر السورية، وكانت تلك المجزرة كما الفيصل لهم في أحداثهم التاريخية بأن يتحدثوا على طريقة قبل مجزرة حماة / بعد مجزرة حماة !
إن الإعلام السوري الحكومي هو مرآة ( مُعاكِسة ) عن حال الشعب السوري، فهو كحال بقية الإعلام الرسمي العربي، يُصّور أن الدنيا والبلد دوماً بخير وكل شيء على ما يرام، وعجلة التنمية تسير وفق خطط مدروسة، ويغفل حيناً من الدهر قائلاً (الحرية للحُكّام العرب من ظلم شعوبهم)!، ولا يجرؤ يوماً على أن يتحدث عما تمتلئ به سوريا من الثروات والأموال التي هي من حق الشعب السوري، وليست من حق عائلة الأسد ورامي مخلوف وبقية الحرامية الكبار فقط. لا يقولون إن فيها الزراعة والمحاصيل والصناعة والتجارة والسياحة والثروات الطبيعة من النفط والغاز والفوسفات، ولا يقولون إن السجون ممتلئة بالمواطنين وإن في المعتقلات العربية: من زُجَ بالسجون، كان سجله إصلاح.. وكأن بلاد الحر سجن لمجرم، وما جرمه إلا العلى والترفع كما يقول الجواهري.
كان خروج الشعب السوري من رجال ونساء وأطفال في شهر مارس من هذه السنة 2011 إلى ميادين الحرية وشوارع الكرامة بمختلف المناطق رافعين شعارات الاضطهاد وتفشي البطالة والفقر والفساد والقمع، ومطالبين بديمقراطية حقيقية لا ديمقراطية زائفة، يريدون أن تكون ثورتهم باستخدام أوراق التصويت كما الأمم الديمقراطية حينما تختار رئيساً لها، لا يريدون أن يثوروا بالسلاح و القتل، ثورتهم سلمية ذات مطالب مشروعة من حقهم أن يحظوا بها. يريدونها شروطاً للنصر كما شروط محمد الماغوط، أن يتظاهروا وبرفقتهم قطن وضمادات و إسعافات أولية.
قابلهم الطاغية بشار الأسد بالشبيّحة والمخبرين والمخربين وبالجيش والأسلحة والدبابات والقصف الجوي من دون أية إنسانية وقلب ذو رحمة، وبعدما أشاع من خلال ترويج أحاديث لا تمت للحقيقة بصلة ، أن الثوار هم مجاميع إرهابية تريد أن تصل إلى سدة الحكم بالسلاح والقتل ، وهذه مؤامرة على سوريا العظمى من قِبل الغرب الكفار، وعلى اعتبار أن الدولة المدنية التي يطالب بها الثوار تسير على صراط القانون والدستور والمواطنة والقبول بجميع المذاهب ، هي فكرة كفار لا يريدون خيراً للمسلمين! وأن قناتي الجزيرة والعربية هما الداعمتين للثوار من خلال مدهم بحبوب الهلوسة والمأكل والمشرب !! وكما أية أسطوانة مشروخة قد سبقه بها رئيس عربي مخلوع .
إن بشار طغى في سوريا وجعل أعزة أهلها أذلة، وإنه يشيع بين أعوانه (أنا ربكم الأعلى!. تقول إحدى الحرائر السوريات إبان الثورة وطغيان الأسد عليهم (لا يدعونا نذهب لمدينة حلب، سمّموا لنا حليب الأطفال، لا طعام لدينا، لا ماء نشرب، نرتوي من المياه الجارية، كيف نعيش؟) وأخرى تصيح وتبكي(ماي ما في، بدنا نصلي، بدنا نشرب). و إن الأرواح لتفنى، وقتل النفوس لا يحصيهم عددا .
لم يدع أحداً إلاّ أن أذله وحط من كرامته، بطش بالشعب وقتلهم، وفي عيد الأضحى المبارك حينما كان المسلمون يفرقون الأضاحي على الفقراء، كان بشار الأسد يرمي لحوم شعبه بالرصاص، ومن يمسك به كان مصيره أن تذكّيه الشبيّحة كما الشاة! كشياه جزار، وهل تستنكر الذبح الشياه؟
الشيخ أبو القعقاع الذي خطب ذات مرة قائلاً: هذه الأمة ليست بعاقر، هي أمة ولودة، تولد أجيال من الأبطال والرجال، صحيح أن الطريق صعب، صحيح أن نسبة الخذلان كبيرة، لكن الله غالبٌ على أمره وستختتم المسيرة بثلاث كلمات (فهزموهم بإذن الله) قتل في سنة 2007 و راح في غياهب الموت، والعجوز التي كُسرت عِظامُها وألقيت على الأرض تصيح (كسرّوا عظامي، كسرّوني!) والطفل حمزة الخطيب ذو الثلاثة عشر ربيعاً عذبوه بتفنن محكم و من ثم قتلوه قاتلهم الله. ويطلقون النار على الأطفال الصغار والنساء الضعاف اللاتي يخرجن لطلب الحرية واستنشاق هوائها بمطالبهم المشروعة! فما كان من الثوار الأحرار بعد أن خلط بشار الأسد ما بين القتل وخروج الجيش والشبيّحة عليهم وما بين الإصلاحات ( الدعائية ) أن لحظة قتل عمدٍ واحدة، لا يأتي بعدها إصلاح دائم ، فكان شعارهم الأخير كما شعار أي إنسان لا يرضى بالقتل ولا بالقمع ولا بالفساد ، و كما كان شعار بقية الثوار في تونس ومصر وليبيا واليمن مرددين بصوت شجاع ( الشعب يريد إسقاط النظام ) . فإرادة الشعوب تكره المزاح كما يقول مظفر النواب .
لا حظر جوي على نظام بشار من قِبل مجلس الأمن، وتدعمه روسيا والصين بالفيتو، وأما إيران فهي خير معين له، فتقدم له الدعم اللوجيستي والدعم المسلح والدعم العقائدي أيضاً!، والسيد حسن نصر الله لم يشجب وينكر على النظام السوري ووقف معهم، وصحيفة هارتس الإسرائيلية تنشر تقريراً في بداية الثورة بعنوان (بشار الأسد ملك إسرائيل) وأنها لا تريد سقوطه ويدعون الله باستمراره، وأمريكا ودول أوروبا فقط يرددون أن بشار الأسد قد فقد شرعيته في رئاسة سوريا، و من غير أية تدخلات منهم تدعم الثوار وتوقف المجازر، أما الرؤساء العرب فتتم خطاباتهم من خلف القصور الفارهة داعمين لرئاستة ويطالبونه بالإصلاحات! فمن يريد الإصلاح ومصالحة غضب شعبه لا يقابلهم بمدرعات وجيوش وطائرات؛ لكي يخمد خروجهم السلمي الطاهر. وإن من يقبل بما يفعله الرئيس غير الشرعي بشار الأسد في شعبه ولو من غير دعم فهو شريك رسمي بالجرائم ضد الإنسانية التي لا الله يرضى بها ولا أحدٌ من البشر.
أوااه لو يعودَ أحدُ الرؤساء العرب السابقين من الموت ليخبرنا عن الحقيقة كما يقول محمود درويش في جداريته الشهيرة، لننكب عليه سائليه عن شعوره من خذلانه لشعبه ولبقية الشعوب العربية، و أظن أنه لن يُجيب على أسئلتنا ظناً منه أنه عاد رئيساً من بعد موته! أو أنه يودُ أن يُرش على قبره زهرُ الكولونيا ليتستر على رائحة أفعاله! ففي قلب كل حاكمٍ مثقال ذرة من (نيرون) لا يُنمّي هذه الذرة إلا ” نصائح الحُكاّم ” . والحاكم الجائر للحاكم الجائر كما البنيان المرصوص يشدُ بعضهم بعضاً.
بعد أن خرجت الجامعة العربية عن ” جبنها ” المتعارف عليه وجمدت عضوية سوريا وطالبت بطرد سفرائها من الدول العربية . وجب لزاماً على القادة العرب من خلال إنسانيتهم وعروبتهم و دينهم الإسلام أن يمتثلوا لرغبة الشعب السوري الحر ويساندوهم و يقوموا بدعمهم و أن يظهروا بصورةٍ حسنة من بعد مساندتهم لنظام الأسد ، فكما أن الإسلام يجبْ ما قبله ، فإن ظهوركم العلني لإنكار ما يفعله بشار ودعمكم لمطالب الثوار سيجبْ بكل تأكيد كل خذلانكم لشعوبكم وخذلانكم لأنفسكم . فأما آن للساكتين أن يتكلموا فقد حان وقت الكلام / كما قالها علي الوردي . وأما للمواطنين العرب فإن رأس هرم الشجاعة أن تصرخ بالحق بوجه سلطان جائر و أن تقف بصف الشعوب المظلومة التي تُقتل ليل نهار ومن غير إنكار على ما يُفعل بها، و لتصرخ الأمم بصوت إنساني واحد ( الحرية لثوار سوريا ، النصرة للثوار ، لكم الله ونحن معكم ).
ومضة:
الحرية تنكمش في حضرة وسطوة الحاكم العربي، و تتمدد في ميادين الثورات!
أضف تعليق