أما قبل:
يا لك الويلُ ليسَ يعجز موسى
رجُلٌ حشو جلدِه فرعونُ
(المتنبي)
ليس بدنه وحده الذي نجا، ولتقتنع أيها العربي، شاهد الصور في الصفحة الأولى في الصحف، أو تابع نشرة الأخبار لإحدى قنوات حزب “استقبل” أو تنظيم “ودع”.. هنا فرعون يتحدث عن العدل والمساواة، وهنا فرعون يفتتح صرحًا علميًا، وهنا فرعون يقص بالمقص شريط افتتاح مركز للحرية، وفي نفس الوقت تقوم رقابته وبنفس المقص بقص كلمات تنتقده بمقاله، لم يختلف شيء سوى الأزياء، كل ما يحتاجه فرعون ليصبح عربياً هو الحصول على جواز سفر عربي والوصول إلى الزعامة بالانتخاب أو الانقلاب أو ربما بالتوريث..!
فرعون لا يقوم بظلم لوحده فهو دائماً يحتاج إلى “آل” من أسرته وأبنائه وأبناء عمومته وحاشيته ومستشاريه ونوابه؛ ليمارس الاستبداد (وَإِذْ نَجَّيْنَاكُمْ مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ يَسُومُونَكُمْ سُوءَ الْعَذَابِ) كمثل الضباع التي لا تنهش ضحاياها إلا ضمن مجموعات..!
الحروب أسواق، الوحيد المستفيد من سلعتها هو “الحانوتي”، كذلك فرعون؛ لكي يثبت أركان حكمه لابد أن يشعل حروب التفرقة بين فئات المجتمع (إِنَّ فِرْعَوْنَ عَلَا فِي الْأَرْضِ وَجَعَلَ أَهْلَهَا شِيَعًا يَسْتَضْعِفُ طَائِفَةً مِّنْهُم).. لأنه يقتات على الشعوب فلو أنه التهم الشعب كله غص ومات فلابد من سكين الفتنة تقطعهم حتى يلتهمهم لقمة لقمة طائقة طائفة.. كل سلطة فرعونية تؤمن أنه لا فرق بين عربي أو أعجمي إلا “بالذنب”.. قديماً كان هناك مؤامرات أذناب أمريكا وإسرائيل، ثم أذناب إيران، والموضة الآن أذناب السعودية، فهم يعتقدون أنهم وحدهم أبناء آدم أما الشعوب أبناء “ذنب” عليه السلام..!
ديمقراطي زنديق، متأسلم خارجي، عميل خائن، مُتحرر منحل، مُفسد مارق، وكل ثياب التـُهم التي يحيكها الطاغية على مقاس جسد خصومه بإتقان، ويشيع بين الناس أن من يعارضه هو عدو للدين والمذهب، وأنه يبتغي انتشار الفساد (وَقَالَ فِرْعَوْنُ ذَرُونِي أَقْتُلْ مُوسَى وَلْيَدْعُ رَبَّهُ إِنِّي أَخَافُ أَنْ يُبَدِّلَ دِينَكُمْ أَوْ أَنْ يُظْهِرَ فِي الأَرْضِ الْفَسَادَ).. حتى أنت يا أبا الفراعين تدعي الخوف على الدين..!
وكما هي العادة يكون المال مساحيق تجميل للطغيان (رَبَّنَا إِنَّكَ آتَيْتَ فِرْعَوْنَ وَمَلأهُ زِينَةً وَأَمْوَالاً).. وبتلك النعم الربانية لا الفرعونية كما تشير الآية الكريمة، يعتقد فرعون أنها من خيراته وعطاياه التي يمُن بها على من يخالفه ويعارضه كما قال فرعون القديم لموسى عليه السلام (أَلَمْ نُرَبِّكَ فِينَا وَلِيدًا)، ولكن أين من يجيبه بجواب النبي موسى مستنكراً (وَتِلْكَ نِعْمَةٌ تَمُنُّهَا عَلَيَّ).. ظلم الحكومة الفرعونية ليس حكراً لفرعون وحده، بل ممتد إلى ضباط فرعون وقياداته الأمنية والعسكرية يظلمون الناس ويفسدون بالأرض أو في البحر على متن “اليخت!” كما وصف المولى فرعون (وَاسْتَكْبَرَ هُوَ وَجُنُودُهُ فِي الْأَرْضِ)..!
كان الشعر بمثابة الجهاز الإعلامي لعرب الجاهلية فهو ديوان العرب كما يُسميه ابن عباس، أما إعلام فرعون القديم كان يتمثل بالسحرة والمشعوذين الذين هم الإعلاميون الذين يستخدمهم لضرب حجج خصومه وإقناع الناس، أما الفراعنة الآن سحرتهم يمارسون الشعوذة على الهواء مباشرة بالقنوات، أو يرمون بأفاعيهم على شكل مقال صحفي، وجه الشبه بينهم وبين كُتاب وإعلاميين فرعون الأول، هو ثمن سحرهم وتزييفهم (قَالُوا لِفِرْعَوْنَ أَئِنَّ لَنَا لأَجْرًا إِنْ كُنَّا نَحْنُ الْغَالِبِينَ) ويجيبهم فرعون (قَالَ نَعَمْ وَإَنَّكُمْ لَمِنَ الْمُقَرَّبِينَ).. نعم المقربين في بلاطه متنعمين بقربهم بالهبات والرشاوى والمراكب الباهظة رفقاء الرحلات وندماء الليالي، حتى معاملاتهم سالكة بأي “هرم” وزاري، ولكن عصا “تويتر” اليوم أكلت كل أفاعي الإعلام الفاسد..!
(ما أشبهَ اللّيْلَة َ بالبارحَهْ) كما يقول طرفه بن العبد.. فرعون حين أدركة الغرق قال (آمَنتُ أَنَّهُ لا إِلِهَ إِلاَّ الَّذِي آمَنَتْ بِهِ بَنُو إِسْرَائِيلَ وَأَنَاْ مِنَ الْمُسْلِمِينَ) واليوم عندما ارتفع صوت هدير أمواج الشعوب كالطود الشامخ، الأول قال (أنا فهمتكم أنا فهمتكم) والآخر قال (لم أسعَ يوماً إلى سلطة) وثالثهم قال وهو يرتعد (حرام عليكم).. ولا يجدي قولهم ولا ينفعهم (الآنَ وَقَدْ عَصَيْتَ قَبْلُ وَكُنتَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ) فمتى يتعلم الآخرون، لكن البعض مثل فأر المختبر لا يتعلم ولا يستفيد من كل التجارب.. إن عليهم أن يرتدوا “مايوه” الذل فإن طوفان الشعوب قادم..!
لن تنتصر الشعوب حتى تغرق الفرعون المُصغر في نفوسها في بحر تقبل الآخر، فلن نتغلب على الحاكم الفرعوني ونحن أنفسنا نرفع شعار فرعون (مَا أُرِيكُمْ إِلاّ مَآ أَرَىَ وَمَآ أَهْدِيكُمْ إِلاّ سَبِيلَ الرّشَادِ) في وجه كل من يختلف معنا، وندعي أن وحدنا من يملك الحقيقة..!!
صعلكة:
لو شاهد إبليس.. “الدويسان” لخَرَّ ساجداً له على الفور..!!
twitter:@abo3asamm
أضف تعليق