ظُهر يوم الثلاثاء الماضي، كان المواطن محمد عبد الرزاق يجلس داخل “التوك توك” الذي يعمل عليه، في مدينة شبين الكوم، عندما اخترقت رصاصة الزجاج الأمامي لمركبته لتستقر في عنقه. الرصاصة كانت “ميري” من سلاح ضابط شرطة ولّى هاربًا خشية أن يفتك الأهالي الغاضبون به.
نزف عبد الرازق كثيرًا إلى أن جاءت سيارة إسعاف ونقلته إلى المستشفى. خلال هذه الفترة، التقط بعض المتجمهرين في موقع الحادث مقاطع مصورة للسائق الجريح، جرى تداولها بشكل واسع على مواقع التواصل الاجتماعي، ما أثار استياء وانتقاد الكثيرين، فما الذي حدث؟
شاهد عيان
قال الطفل الذي كان يركب التوك توك مع عبد الرزاق، إن ضابط الشرطة أوقف المجني عليه وطلب منه أوراق المركبة، فأجابه بأنه لا يمتلك أوراقاً وأنه يسعى خلف الرزق، ثم حاول الهرب خشية أن تصادر المركبة، فأطلق الضابط طلقة في الهواء، ثم أتبعها بواحدة في الأرض، ثم أطلق الثالثة مباشرة في وجهه. واستشهد الطفل على صدق حديثه بمقطع فيديو التقطته كاميرا مراقبة في متجر قريب.
أكدت زوجة المجني عليه نفس الرواية تقريبًا، وأطلقت تساؤلًا بدا منطقيًا. قالت: إذا كان زوجي مخطئًا فعلًا، فهل يكون جزاؤه إطلاق النار في وجهه؟ لماذا لم يضربه الضابط في قدمه مثلًا؟ كما ناشدت المسؤولين لعلاج زوجها بسرعة نظرًا لإصابته الحرجة.
رواية الأمن
لم ينتظر مدير أمن المنوفية اللواء خالد أبو الفتوح، نتائج تحقيقات النيابة أو حكم المحكمة للتعليق على الحادث، فبعد ساعات قليلة من وقوع الجريمة صرّح أن “سائق التوك توك كان يسير بطريقة مخالفة داخل مدينة شبين الكوم، وعندما حاول ضابط الشرطه إيقافه، صدمه وسحله بالطريق. فأخرج الضابط سلاحه الميري وأطلق طلقة في الهواء استقرت أسفل عين السائق”.
ضابط الشرطة المتهم، أراد أن يبرر ما فعله أمام الرأي العام، فنشر صورة يظهر فيها وزيه الرسمي ممزق، وكأنما أراد أن يقول إن هناك اشتباكًا حصل بين الطرفين واضطر للدفاع عن نفسه فأصاب السائق. كما قال في تحقيقات النيابة إنه “حال قيامه بإيقاف المجني عليه بمدينة شبين الكوم، صدمه بالتوك توك الأمر الذي أدى إلى سقوطه على الأرض”.
وأضاف: “عقب ذلك تجمهر عدد من سائقي التوك توك وحاولو التعدي عليّ وسرقة سلاحي الميري فقمت بإخراج السلاح وأطلقت طلقتين محاولًا تخويفهم وإنقاذ نفسي منهم؛ حيث أطلقت طلقة في الهواء وأخرى في الأرض ارتدت لتصيب عين المجني عليه. لم أقصد نهائيًا إصابته وكل ما قصدته ضبط المجني عليه لتعديه على شرطي أثناء عمله وكل ذلك حدث أمام مرأى ومسمع من المواطنين”.
بعد سماع أقوال الضابط وورود تحريات الأمن العام، قررت نيابة بندر شبين الكوم إخلاء سبيل المتهم على ذمة التحقيقات بكفالة قدرها خمسة آلاف جنيه.
تناقض الرواية الواحدة
من الطبيعي أن تتناقض روايات الجاني والمجني عليه، لكن المثير للتساؤل هو تناقض رواية مدير الأمن مع الضابط؛ فوفق تصريح مدير الأمن تم سحل الضابط بالطريق وهو ما لم يذكره الضابط، ووفق نفس التصريح، أطلق الضابط طلقة واحدة استقرت أسفل عين السائق، لكن الضابط يقول إنه أطلق اثنتين. قد يكون هذا التناقض ناتجاً عن عدم اطلاع اللواء أبو الفتوح على التفاصيل وتسرعه في التعليق على الواقعة، لكن كيف يناقض الضابط نفسه؟
الصورة التي نشرها الضابط تشير إلى أن هناك اشتباكًا وقع فاضطر للدفاع عن نفسه، لكنه لم يذكر ذلك في تصريحاته أمام النيابة. كما يقول إن عددًا من سائقي التوك توك تجمهروا وحاولوا التعدي عليه، وهو ما يتنافى مع الصور الأولية للحادث التي نشرتها بوابة الفجر، والتي لا تظهر أي مركبات من نوع التوك توك – سوى مركبة المجني عليه – في موقع الجريمة.
جرائم متكررة
“ضابط يقتل سائقًا لسيره عكس الاتجاه في المطرية”، “ضابط يقتل مواطنًا في محطة مترو البحوث”، “أمين شرطة يقتل مواطنًا في الرحاب بسبب كوباية شاي”، “أمين شرطة يقتل ثلاثة عمال في مشاجرة”، “أمين شرطة يقتل سائق ميكروباص في المعادي”، “ضابط شرطة يعتدي بالضرب والسب على مواطن”. هذه عينة صغيرة من النتائج التي ستطالع من يقوم ببحث بسيط على الإنترنت حول اعتداءات أفراد من الأمن على مواطنين.
تشير الوتيرة المرتفعة لهذه الجرائم إلى أن الأمر أكثر من مجرد حالات فردية كما يردد المسؤولون، وأنه نمط متكرر، يؤكد أن جهاز الشرطة في حاجة إلى إصلاح حقيقي، خصوصًا على مستوى العقيدة والمناهج التعليمية.
أضف تعليق