جمعة حماية الديمقراطية، جمعة المطلب الواحد.. هكذا أطلق النشطاء والقوى السياسية علي الجمعة الماضية، في سلسلة الجمع التي اتخذت مسميات مختلفة منذ جمعة الغضب وإلي الآن، وكأنه أصيب بعض فئات المجتمع بـلوسة الجُمع وإدمان المليونيات، والدعوة لمليونيات سواء هناك ضرورة ملحة لذلك أو لا. أصبح التحرير مكان للباحثين عن الشهرة. ومكان لعقد الصفقات وورقة ضغط على العسكري والحكومة؛ لتحقيق أهدافا ليس لهاعلاقة بمصلحة الشعب، بل بمصالح خاصة لبعض القوى والتيارات؟!
وبغض النظر عن أن كلمة مليونية فقدت هيبتها ورونقها، وفقد التحرير قدسيته التي اكتسبها في ثورة 25 يناير، فقد التحرير هذه القدسيّة علي يد من يتاجرون بالمليونيات، ويراهنون علي قدرتهم لحشد أتباعهم واستخدامهم كورقة ضغط. وبغض النظر عن أن تواجد الشعب أيام الثورة كان مختلفا عما يحدث الآن؟! ففي أيام الثورة كان خروج الشعب لميدان التحرير يتم بشكل تلقائي وعفوي؛ رغبة منهم في التغيير، وتحقيق العدالة الاجتماعية، شعب تواجد في التحرير بدافع من شعوره الوطني غير تابع لأي تنظيم أو جماعة أو حركة فقط ينتمي لمصر. أما الموجودون حاليا معظمهم من أتباع تنظيمات وجماعات وحركات تستخدم إمكانياتها في نقل الحشود التابعة لها لاستعرض العضلات، والقدرة التنظيمية من أجل التحكم في خيوط اللعبة؛ رغبة في الحصول علي نصيب من الكعكة!!! سواء منصب وزاري أو كرسي برلماني أو حتي الرئاسة؟!
بغض النظر عن كل ما سبق فإننا نتفق جميعا علي ضرورة تسليم السلطة في الوقت المحدد، وأن يتم انتقال السلطة بشكل شرعي وسلمي يحفظ للدولة هيبتها ويحفظ للشعب سلامته.
نتفق أن المجلس العسكري قدم كل ما في وسعه، ولم يعد في مقدرته تقديم أفضل مما قدم، وليس في الإمكان أفضل مما كان؛ لذلك وجب عليهم تسليم السلطة والعودة إلي ثكناتهم تصحبهم السلامة، ودعوات التوفيق ولهم كل الود والاحترام من الشعب، دون تجريح أو تخوين أو إساءة الأدب، كما فعل بعض النشطاء في وصفهم المجلس العسكري بالكلاب.
نتفق علي أهمية نقل وتسليم السلطة، لكن الأكثر أهمية لمن ستسلم السلطة؟
هل ستسلم لرئيس منتخب؟! أم سيتم تسليمها لمجلس رئاسي؟! أو حكومة منتخبة…إلخ ؟! يجب أن يتفق الجميع علي الطريقة والآلية وأن تكون هناك خطة واضحة الملامح لمرحلة ما بعد تسليم السلطة. ولا يتم الاكتفاء بمطلب تسليم السلطة في حد ذاته، بل يجب التفكر في كل المراحل بشكل مدروس وواقعي؛ حتي لا يتكرر نفس السيناريو الذي تعيشه مصر الآن.
اكتفي الشعب بمطلب إسقاط النظام، وانطلقت الحناجر تردد هذا الهتاف والمطلب دون إدراك أو رؤية واضحة لمرحلة ما بعد الثورة و إسقاط النظام، مما جعل البلاد تدخل في حالة تخبط وانفلات وضبابية و مهاترات كلامية وإعلامية وكلا يغني علي ليلاه؟! دون اعتبار للصالح العام مما أتاح الفرصة للمخربين والعملاء والبلطجية لضرب الثورة في مقتل وسرقتها.
في هذه المرحلة الحرجة لا نحتاج إلى شعارات جوفاء ولا هتافات لا نحتاج إلى حماس زائد يولد الاندفاع ويؤدي إلى الاحتكاك بين القوى السياسية بعضها البعض من ناحية، وبينهم وبين العسكري والشرطة من ناحية أخري.
هذه المرحلة تتطلب من جميع القوي السياسية وسائر أطياف الشعب الهدوء وضبط النفس، والتفكير بعمق. ويجب أن يسبق مطلب تسليم السلطة اتحاد وتوافق بين جميع القوى السياسية بغض النظر عن الانتماءات الدينية والحزبية. وأن يرتقي الجميع فوق أجنداتهم ومصالحهم وأهدافهم الخاصة من أجل إخراج مصر من هذا المستنقع وإنقاذها قبل أن تسقط بالكامل في هوة سحيقة يدفع ثمنها أجيال كاملة على مدى عشرات السنين، وحتي لا تكون القوى السياسية كالدابة التي أرادت إنقاذ صاحبها فقتلته!!!
أشعر بالقلق من هذه الأصوات المأجورة الموتورة التي تدق طبول الخراب . وللأسف هناك من يستجيب لها . أشعر بالقلق في ظل حالة التخوين والتكفير والصراعات بين الاحزاب والجماعات والحركات وكل منهم يطلق حناجره بالخطب العصماء والكلمات الرنانة بانهم لن يسمحوا لأحد ان يفرض ارادته ورائيه علي الشعب؟!! متناسيين ان هم من ينصبون انفسهم اوصياء علي الشعب ويفرضون الحماية علي مصر ويتاجرون بها من أجل تنفيذ اهدافهم متناسيين أنهم اول من باعوا الثورة في سبيل تحقيق مكاسب خاصة وكمموا الافواه واحتكروا صكوك الوطنية وكل من يخالفهم او يكون له وجهة نظر مغايره يكون في نظرهم يا فل او كافر!!
السبيل الوحيد للخروج بمصر من عنق الزجاجة أن يتطهر الجميع وتصفي النفوس؛ بالامتناع عن حملات التشويش والتشويه والتخوين، أن يرتقي الجميع فوق المصالح الخاصة، وأن يتوحد الفرد في الجماعة، أن يتفق الفرقاء ويتصالح الخصوم، أن تكون لغة الاحترام وتقبل الآخر هي سمة القوى السياسية، أن تكون مصلحة الوطن الهدف الأسمى والأغلي.
ما يواجهه الوطن مسؤولية الجميع وإن سقطت مصر لا قدر الله سيدفع الجميع الثمن، فلتكونوا يا أبناء الشعب المصري العظيم علي قدر المسؤولية الملقاة علي عاتقكم حتي لا يحاكمكم التاريخ والأجيال القادمة!!!
حفظ الله مصر وشعبها العظيم.
أوعاد الدسوقي
كاتبة وإعلامية
أضف تعليق