أكثر كلمة تم تداولها خلال معركة “أسواق المباركية” هي كلمة التراث، مع أن التراث نفسه لو بعث حياً بشحمه ولحمه لصاح بكل أطراف المعركة المجيدة وبملء فمه: “ما ليش دعوى”، التراث كلمة أكبر من أن يزج بها في قضية أحوال إيجارية، كهذه القضية التي تقول حيثياتها إن الحكومة زوجت المدعوة تراث رغما عنها لشركة ما، فطلبت الطلاق للضرر، ثم حصلت على الخلع برضا الحكومة مقابل مبلغ معين من المال العام.
وطبعا بعد انجلاء غبار المعركة سيقال في “الحواديت” إن الحكومة ربحت حين جاءت بحصانها الأبيض، فسلّت سيف تصريحها البتار، وأنقذت تراثنا من أنياب الإيجار المفترس، وسيقال أيضا إن الشركة ربحت وحصلت على ما يرضيها كتعويض وبالقانون، فموقفها بموجب العقد سليم جدا، وكذلك سيقال إن ملاك المحال ربحوا عندما عادت حليمة إيجاراتهم لفواتيرها القديمة، وتخلصت من كابوس الإيجارات المرعب الذي حرمها النوم في العسل، وعلى مسار القيل والقال سيقال حتما إن الخاسر الوحيد في هذه الحدوتة هو “التراث” الذي طلع من المولد “أعلاه” بلا حمص، ليبقى مهملا كما كان دوما وعرضة للضياع بأي لحظة.
إن كنا فعلا نريد أن ننقذ التراث فعلينا أن نخرجه من “مود” قضايا الإيجار المحدود ونرفعه نحو أفق “المورد السياحي” الواسع، وأول خطوة لذلك إنشاء هيئة للآثار وإخراح التراث من تحت مظلة المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب، هذه الهيئة المختصة لو تم إنشاؤها ستشرف على آثارنا من فيلكا إلى الصبية مرورا بالكويت القديمة، ومن يقل إننا لا نملك آثارا مهمة فهو، لا شك، واهم، فلدينا آثار نار تاريخها تستطيع جلب السياح نحوها كالفراش.
آثار الحضارة الهلينستية ودلمون في فيلكا، وآثار الصبية التي أثبتت الحفريات نسبها الموصول بشجرة التاريخ السحيق، وآثار المعارك كمعركتي جبل وارة الأولى والثانية المشهورتين في زمان الجاهلية، ومعركة ذات السلاسل بكاظمة، والتي كانت أولى معارك الفتوح الإسلامية، وكذلك آثار العصر الحديث كالقصر الأحمر وما بقي من الأماكن التراثية في الكويت القديمة، ومن ضمنها أسواق المباركية.
إنشاء هيئة الآثار سيحقق لنا هدفين مهمين: أولهما الحفاظ على التراث، والثاني الالتفات لمورد مالي مهم أهملناه طويلا وهو السياحة، ونحن قادرون بما نملك من آثار تاريخية على الدخول إلى ميدان السياحة وبقوة، وكل ما نحتاجه هو “شوية تخطيط”.
الخلاصة: تراث وطننا يحوى آثارا تاريخية مهمة من الماضي السحيق إلى العصر الحديث، ولكن مع الأسف التراث الوحيد الذي حافظنا عليه هو “طمام المرحوم”، فــ”لا طبنا ولا غدا الشر”.
أضف تعليق