منذ نشأة الخليقة، والحكمة الإلهية دائما ما تبرهن بأن تضخيم الذات ما يؤدي الا الى السقوط سواء على مستوى الافراد او المؤسسات او الدول. ولعل لنا شواهد فيما حصل من قديم الزمان.فلقد قال ابن القيم رحمه الله: وليحذر كل الحذر مِن طُغيان ( أنا ، ولِي ، وعندي), فإن هذه الألفاظ الثلاثة ابْتُلِي بها إبليس وفرعون وقارون ، فـ (أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ خَلَقْتَنِي مِنْ نَارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ) لإبليس، و(لِي مُلْكُ مِصْرَ) لفرعون، و(إِنَّمَا أُوتِيتُهُ عَلَى عِلْمٍ عِنْدِي) لقارون .
أما الشواهد السياسية التي حصلت في القرن الماضي حتى يومنا هذا فهي كثيرة, ولعل ابرزها ما حصل للعديد من الدول والشعوب التي لديها حضارات بالفعل, وتستند الى ارث تاريخي حقيقي يقدم لا يأخر, كما انها تمتلك الكثير من المقدرات. ولكنها دمرت ذلك الكنز بتغطرسها لذاتها وتعاليها واعتدادها بنفسها وتفاخرها وثقتها الزائدة حيث اعتقدت انها الشعوب المتطورة والمثقفة والقوة العسكرية التي لا تقهر,وان مايحيط بها ما هم الا رعاع من الانظمة والشعوب المتخلفة, كما رسمت لنفسها تصورات بأنها هي التي تقود ولا تقاد ,وأنها تمتلك من المجد والتقدم المزيف مايغنيها.وحاولت خلق نظريات تدرس في المنطقة باعتبارها منبع للعلم والمعرفة. غير ان جميع محاولاتها سقطت مع ثورة الاتصالات والمعلومات الحديثة وانكشاف تلك الانظمة والشعوب المغيبة,حين وجدوا ان العالم وصل الى مدى يصعب حتى تقليده. لا بل حتى المحيط الاقليمي الذي كانوا ترون انهم يتفوقون عليه بكل شئ بدى اكثر تطورا ورقيا ومعرفة منهم بسبب تضخيم وتعظيم ذاتهم.
وللاسف اننا في الكويت وعلى جميع المستويات والطبقات لم نستوعب ولم نتعض من التاريخ, حيث ما زال فكرنا يدور في فلك نهضة الستينيات والسبعينيات والثمانينيات واصبحنا نعيش عقدة تضخيم كلمة نحن عندنا في كل شئ, حتى بمقارنة انفسنا مع محيطنا الخليجي.فنحن ونعوذ بالله من كلمة نحن, نرى بان تجربتنا الديمقراطية هي الابرز ومازالت هي المميزة, ونقول باننا نحن المتقدمون والسباقون في التعليم والثقافة والاعلام وحتى العمران, واننا كنا ومازلنا المركز المالي والتجاري للمنطقة,وهذا غيض من فيض. فبدلا من ان نتطور وان نتطلع الى الامام فاننا نعيش على اطلال الماضي, وما حصدناه في تلك الايام الجميلة. والادهى والامر اننا متمسكون بتضخيم ذاتنا على المستوى الرسمي والاعلامي وللاسف على مستوى طبقة المثقفين دون ان ننظر الى واقعنا الحقيقي, الذي يحتاج الى اصلاح, بداية من البنى التحتية وصولا الى مستوى الفكر, كالاصلاحات السياسية والسعي الى وقف استنزاف الميزانيات,وكذلك المطالبة بالخدمات الصحية, وانشاء المستشفيات والجامعات,بالاضافة الى محاربة الفساد والرشاوي وو..و..و.
وبغض النظر عن ما تقدم وحتى لانكون متشائمين نعتقد اننا ما زلنا بخير لاننا نمتلك العقول السياسية والاقتصادية والاجتماعية والاموال فمتى ما استغلت تلك الثروات الاستغلال الجيد دون الرياء والتكبر والعنجهية والضرب بالوحدة الوطنية وغيرها من الامراض الفتاكة. ومتى ما ابتعدنا عن ثقتنا الزائدة باننا نملك, رغم اننا في الحقيقة كنا نملك, ولم نعد نملك في الوقت الراهن الا القليل بسبب الادارة السيئة وغير المؤهلة واعتمادنا على مبدأ الواسطات وابعادنا لاصحاب لشهادات والكفاءات. فمتى ما استدركنا حجمنا الحقيقي فاننا سنعي باننا متأخرين عن الركب الاقليمي والدولي, وبالتالي سنسعى لان ننهض بوطننا لان الإنسان متى ما اعتد بنفسه ووثق بها وُكِل إليها ، وإذا وُكِل إليها وُكِل إلى عجز وضعف,وهذا ما نخشاه.
وبما اننا نعيش اجواء الانتخابات البرلمانية التي سترسم افرازاتها المستقبل لبلدنا ولو على المنظور القريب فاننا ننصح اخواننا الناخبين بحسن الاختيار لممثليهم من المرشحين المخلصين الذين يحملون فكريا واعيا يخطط ويشرع لغد واعد يرتكز على أمجاد الماضي دون التشبث بها وعدم التفكير بتطويرها أو بغيرها ,متذكرين قول الشاعر:
ليس الفتى من قال كان أبي .. بل الفتى من قال ها انا ذا
وبهذا الاخيتار، فاننا قد نقلل من الانا او قد نقتلها, عندما نختار من يستحق لان ذلك سينعكس على جميع طبقات ومكونات المجتمع.
وأخيرا، فان هذا لايعني باننا نشككك في ولاء أحد أو نتهمه بعدم حب الكويت,وانما نثق ان مايدفعهم الى هذه الانا هو حبهم لهذه الارض الطيبة.ولكن نحذر ان تعمينا الانا كما اعمت شعوبا ودولا وامبراطوريات سادت ثم بادتت. فيجب علينا جميعا ان نفخر بالماضي ولكن دون ان ننسى المستقبل والتخطيط له من خلال استغلال كافة طاقات الحاضر الذي نعاصره.وان مادفعنا الى ذلك التحذير هي الظروف السياسية والاقتصادية التي تعيشها الاطراف الاقليمية والدولية والتي تنذر بمستقبل يحتاج الى البناء والتوحد لا تعظيم الانا والشعارات التي تفرق ولا تجمع.
د.عبدالعزيز محمد العجمي
Twitter: @Dr_Abdulaziz71
أضف تعليق