تم تقديم هذه المذكرة كجزء من ورشة عمل نظمها مركز LSE الشرق الأوسط في 13 يونيو 2018، والتي تبحث في “القبيلة والدولة في الشرق الأوسط”.
منذ بداية الانتفاضة السورية التي اندلعت في عام 2011، اتجهت معظم البحوث إلى التركيز على عودة ظهور الطائفية والتطرف، في حين أن عودة ظهور القبلية لم تدرس بتعمق. ومع بدء تنظيم الدولة الإسلامية في اكتساب موطئ قدم في الجزء الشرقي من البلاد، بدأ الاهتمام بالقبائل السورية في الازدياد. وفجأة، بدأت مراكز الفكر والأبحاث مجموعة متنوعة من الدراسات عن القبائل السورية. وقبل هذا الاهتمام المفاجئ بالقبائل ودورها في الحرب الأهلية السورية، ذكرت في عام 2012 أن البحوث المتعلقة بالنزاع السوري ركزت على العنصر الطائفي، ونسيت البعد القبلي للنزاع. وعلى الرغم من ضعف روابط القرابة بسبب عوامل مثل التعليم، والتنقل، والاستيطان، والتحضر، فإنها لا تزال قوية وتؤدي دوراً هاماً في النزاع السوري.
وردا على استخدام النظام للقوة ضد حركة الاحتجاج، لجأت القبائل إلى الدفاع المسلح عن النفس ضد قوات الأمن. و بدأ العديد من الجنود وضباط الجيش من القبائل في الفرار للانضمام إلى المعارضة المسلحة. وعندما انسحبت قوات النظام السوري من معظم المناطق الريفية في الجزء الشمالي الشرقي من البلد، نشأت منافسة بين مختلف العشائر لتكسب أكبر قدر ممكن من غنائم الحرب الجارية. وكانت أهم الموارد حقول النفط والغاز التي استولت عليها عشائر مختلفة في ريف دير الزور و الحسكة.
بذل تنظيم الدولة الإسلامية الكثير من الجهد في محاولة لإقناع الشباب من القبائل للانضمام إلى صفوفه. ونشرت الجماعة الإرهابية العديد من أشرطة الفيديو لزعماء القبائل من البقارة والعقيدات والجبور وبوشعان تعهدوا فيها بالتحالف مع ما يسمى الخليفة. وباستخدام نهج الجزرة والعصا، تمكنت المجموعة من اجتذاب العديد من شباب القبائل للانضمام إليها. وساعد عاملان المجموعة على الحصول على موطئ قدم في المجتمع القبلي السوري. أولا، ظهور الأيديولوجية السلفية بين القبائل بعد عام 2000, نتيجة للهجرة الواسعة النطاق للقبائل السورية للعمل في بلدان الخليج العربي. ثانيا، مشاركة أعداد كبيرة من القبائل السورية في التمرد العراقي ضد الأمريكيين عام 2006. عندما كان التحالف الدولي يبحث عن حليف على الأرض لمحاربة داعش، كان يعتقد أن القبائل مجزأة وبالتالي لا يمكن أن تشكل جبهة موحدة ضد داعش. وبالإضافة إلى ذلك، انضم العديد من شباب القبائل بالفعل إلى الجماعة، الأمر الذي من شأنه أن يعقد جهود تشكيل قوة قبلية كبيرة لمكافحة تنظيم الدولة الإسلامية.
أدى صعود داعش إلى السلطة في سوريا إلى تعقيد العلاقة بين الأكراد والقبائل العربية. بدأ تنظيم الدولة الإسلامية في استغلال الخصومات بين القبائل والأكراد وبين القبائل نفسها للحصول على الدعم القبلي. أدركت قوات سوريا الديمقراطية أنها لا تستطيع الفوز ضد داعش بدون دعم من القبائل المحلية. ولذلك، ومن أجل إخراج داعش من الرقة ودير الزور، بدأت قوات سوريا الديمقراطية في إقامة تحالفات مع القبائل المحلية التي كانت مستاءة من حكم داعش وترغب في التخلص منه. من ناحية أخرى، بدأت تركيا، التي كانت حذرة من تنامي السلطة الكردية في سوريا والتحالفات التي بدأت قوات سوريا الديمقراطية في تشكيلها مع القبائل العربية في المنطقة، في لعب الورقة القبلية نفسها. ودعمت الحكومة التركية، التي تستضيف الالاف من اللاجئين من ابناء القبائل المهجرين بسبب الحرب الأهلية السورية، ما يسمى “جبش القبائل الشرقية” والذي يهدف إلى مقاومة الإستيلاء على “مناطق القبائل العربية”، وذلك بناء على بيان صادر عن إجتماع قادة القبائل الذي تم بموجبه إعلان تشكيل هذا الجيش في تركيا.
وعلى الصعيد الإقليمي، تشعر المملكة العربية السعودية وجيرانها في الخليج بالقلق إزاء “الهلال الشيعي” الذي يمتد من إيران عبر العراق، إلى سوريا وإلى شواطئ لبنان على البحر الأبيض المتوسط. وكانت الانتفاضة فرصة ذهبية لدول الخليج لاستخدام صلاتها داخل سوريا لتدمير نظام بشار الأسد الذي أعطى إيران يد عليا فيما كان يقصد به أن يكون مجال نفوذها. نشرت وسائل الإعلام السعودية العديد من الفيديوهات عن نساء من القبائل السورية يطلبن المساعدة من رجال القبائل في المملكة العربية السعودية. وأثارت علاقات الدم القائمة تعاطفاً بين آلاف السعوديين والكويتيين والقطريين الذين تبرعوا بملايين الدولارات لدعم أبناء قبائلهم السوريين. كما مول السعوديون تشكيل ميليشيات قبلية مثل لواء الملك عبدالعزيز المكون من قبائل الفدان في الرقة. وقد ردت إيران وحلفاؤها بالمثل، في مواجهة التعبئة التي كانت دول الخليج العربي وحلفاؤها تشجعها بين القبائل العربية السورية. وقد دعا المسؤولون الإيرانيون زعماء القبائل السورية إلى زيارة طهران وإجراء محادثات معهم في مناسبات عديدة. وقد غطت وسائل الإعلام الإيرانية الرسمية زيارات زعماء القبائل السورية التي تصور هؤلاء الشيوخ على أنهم شخصيات وطنية هامة. و أنفقت إيران وحزب الله مبالغ كبيرة من المال و الخبرة على تدريب الميليشيات القبلية في طي والشعيطات على القتال إلى جانب قواتهما في المناطق الريفية من سوريا.
فشلت محاولات دول الخليج العربي استخدام علاقاتها مع القبائل في سوريا للإطاحة بالنظام لعدة أسباب منها المنافسة السعودية القطرية على سوريا التي قسمت القبائل بين هذين البلدين، وصعود السلفية بين شباب القبائل مما دفعهم للانضمام إلى جماعات مثل تنظيم الدولة الإسلامية وجبهة النصرة، بدلا من الانضمام إلى الميليشيات القبلية، فإن جهود إيران المضادة للوصول إلى القبائل وتزويدها بصفقة أفضل من السعودية، وأخيرا، التنافس بين العديد من القبائل المحلية على غنائم الحرب بعد انسحاب النظام من مناطقها.
و يبدو أننا نقترب من نهاية الحرب الأهلية السورية. وسيتعين على النظام وحلفائه الاعتماد على القبائل المحلية للحفاظ على السلام والأمن في المناطق التي تمكنوا من استعادتها من داعش ومناطق المتمردين الأخرى؛ أولا لمنع عودة داعش، وثانيا لتغطية النقص في القوى العاملة. وسيؤدي القانون القبلي والمصالحة القبلية دورا هاما في تحقيق السلام والاستقرار في أطراف سوريا، ولكن هناك دائما خطر نشوب نزاعات قبلية وأعمال انتقامية مرة أخرى بعد سنوات عديدة. وقد ارتكبت أعمال مروعة على مدى فترة طويلة من الزمن من جانب مختلف الأطراف المشاركة في هذه الحرب، ولن يكون من السهل نسيان ذلك.
(هايان دوخان) زميل تدريس في جامعة (ليستر). وحصل على درجة الدكتوراه في العلاقات الدولية من جامعة سانت أندروز، وعمل مستشارا لمنظمات المجتمع المدني والحكومات والهيئات غير الحكومية السورية في المسائل المتعلقة بالصراع والتنمية ومكافحة الإرهاب، والإرهاب، والتسويات السلمية. لديه كتاب قادم بعنوان التحالفات غير الرسمية ونماذج الصراع في سوريا: الدولة والقبائل (روتليدج، 2019).
أضف تعليق