لم أتصور منذ انخراطي بالعمل البرلماني في ٢٠١٣ ، أن أكون في هذا الموقف من هذا المكان وبهذه الساعة ، معتصماً لأكثر من ٣٥ ساعة حتى الآن في مكتبي بمجلس الأمة أو بين أروقته.
بكل تجرد !!
هل ما نقوم به منطقي ؟!
الاعتصام والمبيت بمجلس الأمة !
فقرار استقالتي من مجلس ٢٠١٣ ، وقرار الجلوس على مقاعد الوزراء ، وصعودي للمنصة …
كلها أمور اختبرتها …
وأعلم بأن أسبابها كانت واضحة للجميع …
إلا لمن ينكر الحقيقة!!
فقد كانت تدور وتتمحور وتتركز حول انتهاكات دستورية صارخة ، صريحة وظاهرة للجميع ، كمخالفة أحكام المادة ١٠٠ من الدستور ، خلال استجواب رئيس الوزراء الأسبق (جابر المبارك) في ٢٠١٤ ، والذي تقدمت به والعزيزان رياض العدساني والدكتور حسين القويعان ، وطالب الرئيسان وقتها بشطبه دون مناقشة حسب أحكام الدستور ولائحة المجلس ، بالإضافة إلى ما قام به رئيس الوزراء (صباح الخالد) في هذا المجلس وخلال الاستجوابات المقدمة له من محاولة تحصين نفسه منه ، ومن كل استجواب مزمع تقديمه لسنوات.
لكن ماذا عن الاعتصام الآن !!
فأين المخالفة ؟!
وهل أسبابه واضحة للجميع ؟
ونعود لنفس التساؤل ، هل هذا منطقي؟!
إن ما تمر به الكويت من تعليق سياسي شامل ، وحالة احتقان بين السلطات ، واحباط شعبي عارم واسع النطاق ، ألقت بظلالها على نواب الأمة.
فعملياً ، من سواهم يستطيع مواجهة باقي السلطات؟!
ومن سواهم يمد جسر التواصل مع المواطنين ، كون السلطتين التنفيذية والقضائية تتسم بكونها سلطات إدارية أو غير شعبية.
النائب …!
وأنا أقصد الذي يعلم ويؤمن بدوره كمشرع ومراقب ، وليس أداة حكومية ، يرى أمامه تعليقاً لأدواته الدستورية بأسلوب جديد ، فمخالفات رئاسة المجلس أو رئيس الحكومة تجد طريقاً لمواجهتها في قاعة عبدالله السالم.
ولكن …!
كيف يستطيع النائب أن يمارس دوره إن تم تعليق الدستور رسمياً ، كما حصل قبل الغزو العراقي الغاشم ؟
والآن يأتي هذا التعليق بشكل ضمني من خلال عدم تشكيل الحكومة وعقد الجلسات العادية ، ولأجل غير مسمى؟!
لقد تطورت أدوات السلطة في هذا الأمر ، خصوصاً في ظل تحالفات جديدة مع رئيس المجلس وأدواته ، لذلك لم تتجه – حتى الآن – على الأقل إلى تعليق الدستور، لكن بدأت بطريقة مستحدثة مستغلة عدم تنظيم الدستور لحالة عدم تكليف رئيس الوزراء وإبقاء الوضع دون سقف زمني.
فعدم تكليف رئيس الحكومة إلى الآن ، ومن المخطط أن يطول ذلك، وفي ظل محاولة الرئيسين تمرير ماتبقى من دور الانعقاد عن طريق جلسات خاصة يتحكمون بموضوعاتها وتوقيتها “حيث أن الجلسات الخاصة يجب أن تحدد موضوعاتها ولايجوز أن يثار بها مالم يرد بجدول الأعمال” والحكومة هنا ، هي من تقرر الحضور من عدمه ، وهو ما يعني أن المجلس خارج التغطية ولن يناقش أي موضوع لايناسب الرئيسين.
وفي ظل إمكانية عقد جلسة خاصة لتمرير الميزانية ، وهو مايعني أن مرسوم فض دور الانعقاد سيصدر بعدها مباشرة ، ما سيؤدي إلى تعطيل المجلس رسمياً وستبقى تتحكم بالبلاد حكومة تصريف العاجل حتى نهاية شهر أكتوبر القادم ، بالاضافة لميزانية مليارية لن يستطيع أحد محاسبتها عليها.
لذلك مايحصل هو ماعبرنا عنه بتعطيل للدستور ، لكن ليس على طريقة السبعينات والثمانينات من القرن الماضي ، إنما بطريقة مستحدثة تكمن في ليّ النصوص والاستفادة من عدم وجود تنظيم !!.
وفي ظل تلاعب السلطة المتطور الذي أشرنا إليه ، كان لزاماً على النواب تطوير أساليبهم الاعتراضية السلمية والاستفادة من التجارب السابقة، وهو ما عبرنا عنه بتنفيذ أول اعتصام في مجلس الأمة خلال تاريخ الكويت.
ختاماً .. يبقى الاعتراض السلمي دليلاً على تطور التجربة البرلمانية الكويتية ، وتنوع سبلها تأكيداً على نضج النواب وقدرتهم على مجارات أدوات السلطة التي اعتمدت منهج التشويه الدائم لكل عمل سياسي اصلاحي تحت مسميات الفوضى والتخريب.
و تبقى المواجهات حبيسة أسوار البرلمان .. وما سيحدث خارجه لايمكن التنبوء به.
د.عبدالكريم عبدالله الكندري
من اعتصام مجلس الأمة الكويتي.
15 يونيو 2022
الساعه 11.45 م
أضف تعليق