المراقب للمشهد السياسي لاسيما الحملات الانتخابية التي تعتبر الموسم السياسي الأسخن في الكويت يجد أن الطرح السياسي يوغل في الرؤى الفردية والقضايا ذات الطابع المجترأ من الولويات الحيوية والملحة بالنسبة لمستقبل الكويت، ويتضح أنه في المجمل هناك من يقتات على هموم المواطن العادي كالتوظيف وتدني مستوى التعليم والرعاية الصحية للترويج الانتخابي، كما أن آخرين يتخذون من القبلية والطائفة مطية لتحقيق غاياتهم السياسية، وكذلك هم أصحاب الطرح الفئوي الذي صار يلقي هوى في أوساط اجتماعية معينة وهذا الطرح ليس حكرا على شريحة معينة كما يراها البعض فهناك من ينحاز إلى قبيلته أو طائفته أو أصوله العائلية وهكذا.
لا يمكن لوم المواطن إذا ما وضع أولوياته في إطارها الضيق كتطوير التعليم ورفع مستوى الرعاية الصحية وإيجاد فرص توظيف لبنائه وإصلاح الطرق والشينغن وغيرها وهي مطالب مستحقة، ولكن حين الحديث عن رجال الدولة فيجب أن نرى رؤى وبرامج اصلاح شاملة وفي مقدمتها الإصلاح السياسي وآلياته التي تعتبر المدخل الرئيسي للإصلاح على نطاق الدولة ككل.
ما لم نسمعه من أغلبية المرشحين هو ماهية الإصلاح السياسي المنشود وكيفية تطوير آليات عمله، إذ كيف للمواطن أن يطمح بتعليم راقي وذي مستوى رفيع في الوقت الذي أن الفريق الذي يقود العملية التعليمية يشكو من الترهل والعراقيل الإدارية وسوء المخرجات، فالفكرة تقول إنه من الضروري أن يشتمل برنامج عمل الحكومة على الخطوط العريضة لتطوير التعليم ورفع مستواه ومن ثم انتقاء الفريق المناسب لترجمة هذا البرنامج إلى أرض الواقع وتوفير المرافق والدوات الكفيلة بتحقيقه وقيام المؤسسة التشريعية بإصدار حزمة من التشريعات المساندة والداعمة لهذه التوجهات والعمل إعلاميا على تهيئة الرأي العام لمواكبة هذه المتغيرات.
لإيجاد مثل هذه المنظومة المتناغمة في مفهومها الواسع علينا أن نوجد رؤية توافقية على مستوى الدولة تأخذ بعين الاعتبار الغايات المطلوبة من الاصلاح وتقييم التجارب الناجحة في هذا الميدان أو ذاك والخذ بالخصوصية التي يتسم بها المجتمع الكويتي، إذ أن فرض تجارب وتصورات دون النظر إلى الخصوصية الكويتية سيجعلها غير منسجمة مع نمط التفكير والخصوصية الكويتية.
ونحن حاليا بحاجة ماسة للعمل المؤسسي غير المرهون بالشخاص، إذ لا يمكن أن نعود كل مرة إلى المربع الول مع كل تتغير لدينا المناصب والمسؤولين، فنحن نجتر الزمة تلو الخرى، وفي كل مرة نعود إلى خط البداية، ومن يعتقد أن هناك متسعا من الوقت فهو مخطئ إذ أن المم مع مضي الوقت تتقدم ومن لا يواكب التطوير يتقهقر ويتخلف.
علينا أن نعي أن الاختلالات الناتجة عن التباين في التوجهات والغايات على مستوى الدولة هي أساس جمودها ومنبع أزماتها، فليس من الممكن تحقيق أي تقدم جوهري في أي من المجالات ما لم يكن جسد الدولة متجانسا ويعمل بصورة متناسقة يكمل بعضه البعض الآخر.
ما يطفو حاليا على السطح من مطالب شعبية ماهي إلا تجليات لواقع سياسي غير متجانس يولد الزمة تلو الخرى، وللخروج من هذه الدوامة علينا أن نعمل على تشكيل تجانس هياكل الدولة وتوحيد رؤيتها المستقبلية وإزالة العراقيل التي تواجهها وتحديد سلم أولويات لنقل الكويت نقلة نوعية، فليس من الممكن الحديث عن المستقبل مالم يكن لدينا أساس متين في الحاضر قائم على استراتيجية حقيقية وليست تجميع أمنيات وبيع أحلام والاستثمار بالكفاءات الكويتية ودعمها وتوفير الحماية والمساندة لبناء مستقبل الكويت.
عبدالحكيم الرفاعي
أضف تعليق