بعد تأجيل إثر تأجيل تعقد جامعة الدول العربية قمتها الثالثة والعشرين في العاصمة العراقية بغداد وسط اجراءات أمنية مشددة. وتواجه هذه القمة مجموعة من التحديات على عدة مستويات وجبهات، فعلى المستوى السياسي العراقي الداخلي سبقتها خلافات وانقسامات بين مختلف التيارات والتحالفات تقريبا ، سواء فيما يتعلق بقضية الهاشمي او انهيار التحالف الكردي مع دولة القانون، وعلاوة على ذلك يبدو ان القرار العراقي في هذه القمة وخاصة فيما يتعلق بأوضاع سوريا وتنحي الرئيس بشار الاسد ،ربما يخضع لأطراف اقليمية ودولية، اما تركية او ايرانية او امريكية او روسية، مما ادى الى انخفاض مستوى التمثيل العربي.
أما على المستوى الامني فالأوضاع غير مستقرة والامن غير مستتب نتيجة للانفجارات المتكررة، الامر الذي دفع السلطات العراقية الى فرض قوانين اقرب ما تكون عرفية لتفادي اية مشكلات خلال القمة. واضافة الى ذلك فإنها تواجه ايضا تحديات اقليمية عربية تمثلت في أحداث الربيع العربي وافرازاتها ،وكذلك الاوضاع المتردية في السودان، والخلافات اللبنانية اللبنانية، والفلسطينية الفلسطينية، ولا ننسى التراجع الاقتصادي العالمي وانعكاسه على الاسواق العربية.
ما نود التوصل اليه في هذه المقالة اننا جمعيا نريد ونتمنى نجاح قمة بغداد كالعراقيين أنفسهم الذين يريدون ان يثبتوا للعالم بأن جمهوريتهم أصبحت مستقرة كما انها لا تخضع الى املاءات خارجية. ولكنه حلم استبد منذ القدم،فالتاريخ يقول ويهمس بصوت خافت إن هناك خللا في نظام جامعتكم، ومدى نجاح القمة لا يتوقف على من يستضيفها أو يترأسها، لان هناك أمينا عاما لها وضعه كوضع رؤساء بعض الدول العربية الدكتاتورية، فهو محتكر على دولة واحدة ويبقى في منصبه أحيانا كرؤساء دول الجامعة.
فيجب اعادة هيكلة نظام جامعة الدول العربية لتتواكب مع تطور العصر والبشر لتفيق من سباتها العميق وتسلك منهجا جديدا غير منهجها التقليدي ،فقد شابت وناهز عمرها ما يزيد عن السبعة والستين عاما ولم تحقق انجاز يذكر في تاريخها الذي مر بأزمات ومراحل مفصلية، خاصة عندما اغتصبت فلسطين والجامعة مازالت في طفولتها وعنفوانها، كما انها لم تفعل شيئا يذكر عندما انتهكت حرمات مصر وسوريا ولبنان والكويت من قبل اسرائيل وصدام وهي في عمر الرشد والنضج.
وها هي تتجاوز سن الرشد والكهل الى المشيب ولم تفعل شيئا يذكر والشعب السوري تستباح دماؤه ،بل انها تستبعد النظر في تنحي أحد دكتاتوري القرن وتبحث ملفات امليت عليها. ونعتقد ان تلك القمة لن تختلف عن سابقاتها فلن تخرج بجديد في هذا الشأن أو غيره، وانما ستعمل على بحث حلول ستدفع في النهاية الى التدويل كما حصل في أمة الكويت واحتلال العراق وليبيا وغيرها من الملفات المشابهة.
وفي النهاية، فاننا نتوقع ان أغلب القمم العربية تصاغ قراراتها تحت ضغوط اقليمية ودولية لا تتوافق مع قناعاتها. وبالتالي فاننا نريد جامعة دول عربية تقرأ التاريخ وتخطط وفقا لواقعها وتسعى الى تنفيذ الاهداف ووضع الحلول وفقا للمعطيات، وكذلك تعمل على رسم الاجندة المستقبلية العربية بما يخدم مصالح وتطلعات أبنائها لا لخدمة الاجندات الخارجية. كما اننا نتمنى ان يتداول رئاسة أمانتها كافة الدول العربية سواء الكبيرة أو الصغيرة. الغنية أو الفقيرة.
وهذا ليس تقليلا من امكانيات الامين العام الحالي او السابقين انما حق ديمقراطي لكل دولة عربية الهدف منه هو التنوع في الفكر والثقافة لهيكل الجامعة، في سبيل الارتقاء بها على كافة المستويات سواء السياسية أو الاقتصادية أو الثقافية. فدولنا تمتلك جميع المقومات المادية والبشرية الا انها تفتقد للعقول المدبرة.
وهذه مجرد وجهة نظر نتمنى ان يتم تقبلها بصدر رحب وان لا تزعج الاخرين. فربما قد تتحول الامنيات الى واقع. نتمنى ذلك.
د.عبدالعزيز محمد العجمي
Twitter: @Dr_Abdulaziz71
أضف تعليق