كتاب سبر

فساد السلطات ومزيد من الأزمات

  ابصار شاخصة, وعقول واجفة, ومؤسسات غائبة ,وفراغ تشريعي وتخبط وضبابية في المشهد السياسي بعد قرار مجلس الوزراء تحويل أزمة الدوائر الى المحكمة الدستورية التي يرى البعض انها أساس المعضلة عندما أبطلت مجلس 2012.

   ويبدو ان ما أوصلنا الى هذا الطريق هو غياب الشفافية, وفقدان الثقة بين الاطراف السياسية التي تشكل خريطة التعاون والتنافس مما ساهم في تباعد وجهات النظر للخروج من الازمة في ظل وجود فساد سياسي عند غالبية اعضاء السلطات الثلاثة التشريعية والقضائية والتنفيذية الا من رحم ربي. فالازمة تلو الاخرى التي تتعرض لها الدولة تظهر بان هناك ثلة منهم يرعون ويراعون مصالحهم الخاصة وينسفون ابسط مبادئ المشروع الوطني.

   وفي ظل هذه الازمة فانه من المفترض على الحكومة ان تسعى لوضع  البدائل المناسبة قبل صدور قرار المحكمة الدستورية المرتقب ان لم تكن على علم بفحواه مسبقا، وفي المقابل ستعمل أغلبية مجلس 2012 المبطل بالضغط إعلاميا وسياسيا على المحكمة الدستورية لتذكيرها بمواقفها السابقة في هذا الشأن ,خاصة عندما رفضت النظر في  طلب تقدم به المرشح السابق محمد الشليمي في 2008، لعل وعسى ان تتراجع عن أي تعديل للدوائر قبل انتخاب برلمان جديد، توكل له مهمة تعديل القانون، مهددة بالنزول إلى الشارع ومعلنة في الوقت ذاته مقاطعة الانتخابات.وإن كانت نتيجة قرار المحكمة الدستورية محسومة في صالح تغيير الدوائر الا ان تعقيدات الساحة السياسية قد تجعل من تغييره أمرا متوقعا إذا ما رضخت المحكمة والحكومة للضغوط التي تمارس عليهما.

وخلاصة القول, ان الدوائر الانتخابية قد تكون هي العنوان للحرب الخفية ، فحقيقة هذه الحرب الضروس والتي خسائرها ستطال الجميع بحاضنهم الكبير الوطن ,أعمق من قانون متفق على عدم عدالته ومختلف على آلية تعديله.
  ولعل الجميع متفق بمن فيهم اعمى القلب والبصيرة بعدم عدالة الدوائر الخمس والخمس وعشرين وقبلها العشر.فعدالة الدوائر التي تم تذكرها في الوقت الحالي بعد سبات عميق وتسفيه لدعوات متكررة بعدم تمثيلها الحقيقي لواقع المجتمع,قد تكون كلمة حق يراد بها باطل.فربما من يدفع بعدم دستوريتها يريد اطلاق يد السلطة بتشكيل الدوائر بنظام الصوت أو الصوتين لاستعادة النواب الهبيشة من خلال المال السياسي للهيمنة على مجلس الامة الأمر الذي رفضه المجتمع عندما استبعد نواب 2009.

ولكن يبدو ان الحكومة الخفية لعبت لعبة كبيرة وقعت في شباكها الحكومة الحقيقية مما عقد الأزمة الحالية, وأدخلها مرحلة التوقف والركود.ونعتقد ان ما يجري جاء نتيجة الى احتمالين.أولهما: ان الحكومة الحالية ركبت قطار الحكومة الخفية في طريقة التعامل مع الاغلبية النيابية.اما الاخر : فقد تكون اجبرت على سلك ذلك الطريق حيث ارادت ان تلعب بتكتيك سياسي, الا انها ضلت الطريق ولم تستطع العودة او ادارة الازمة لصالحها, فرأت انه ليس هناك طريقة متفق عليها للخروج من نفق أزمة الدوائر، في ظل استمرار مجلس 2009 مع مقاطعة نوابه له واستحالة عقد الجلسات ، كما انها ربما تخوفت من حل المجلس وإجراء انتخابات وفق النظام الانتخابي الحالي فقد يلاقي المجلس المنتخب مصير مجلس 2012, ومن ثم تكرر الازمة من جديد.

والحل الذي نراه قد يكون مناسبا ان كانت الحكومة فعلا تريد الاستقرار واصلاح الخلل في عدالة الدوائر, هو ابقاء وضع الدوائر على ما هو عليه,والطلب من الامير حل المجلس والدعوة الى انتخابات جديدة هدفها الرئيسي تعديل الدوائر بصيغة توافقية مسبقة بين جميع مؤسسات الدولة ومكوناتها ومن ثم حل المجلس لاجراء انتخابات جديدة بعيدة عن الشبهات, خاصة أن جميع القوى السياسية والكتل البرلمانية متفقة على رفض إصدار مرسوم ضرورة قبل صدور رأي الدستورية او بعده بشأن الدوائر على اعتبار ان ذلك يعتبر تعديا او عبثا بالدستور.

وهناك حل اخر, قد يعارضه البعض وهو قيام حضرة صاحب السمو باصدار مرسوم ضرورة بعد الحل من شأنه ابقاء وضع الدوائر على ماهو عليه من حيث العدد وعدد التصويت مع تعديل ديمغرافية الدوائر بما يحقق العدالة فيما يتعلق بالنسبة والتناسب بين الدوائر حيث من غير المنطق ان يكون اعداد مرشحي الدائرة الثانية لايتجاوز نصف عدد مرشحي الدائرة الخامسة.كما انه من غير المنطق ان تكون كيفان تابعة للدائرة الثالثة والقادسية تتبع الدائرة الثانية. فما يجري في النظام الحالي يعد بعيدا عن الانصاف وماهو الا تكريس للطرح العنصري والطائفي الذي بلغ ذروته في الخطاب الانتخابي والسياسي للمرشحين,وبانت افرازاته على المواطنين ,ونتج عنه شرخ في الوحدة الوطنية, وظهرت أزمات طائفية مختلفة غريبة على مجتمعنا المتماسك.

 

وأخيرا,فنحن هدفنا النصح لا املاء ارائنا على احد.ونتمنى ان تتحمل السلطات جميعا مسؤولياتها وان تخاف الله في الوطن والمواطن حيث زادت الامور عن حدها وبلغت منتهاها فالجميع ضاق ذرعا ,مما يجري فان لم تحسم الامور فالنتيجة مزيد من الازمات التي قد تكون خاتمتها الهاوية.

د.عبدالعزيز محمد العجمي

[email protected]

Twitter: @Dr_Abdulaziz71

أضف تعليق

أضغط هنا لإضافة تعليق

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.