كتاب سبر

أنا من جيل الهزائم

نداء…نداء… الخبز عندنا متوفر

كلمات كانت تدق أجراس أذني يومياً في عام ألف وتسمعمائة وثمانٍ وستين.

إذاعة صوت العرب تُذيع نداءات الفدائيين ليلاً نهاراً وهم يرسلون شفراتهم عبر الإذاعة الرسمية العربية الأولى, ونحن نتلقى الهزيمة الثانية بعد هزيمة 1948. كانت المشاعر والنفسيات العربية مُحطمة وكان العرب في ذلك الوقت نوعاً ما يحملون هماً مشتركاً بحكم ارتفاع جذوة الفكر القومي العربي ووجود جمال عبدالناصر الرمز القومي. كانت هزيمة 1967 قاصمة لظهر العرب وفضيحة للتخاذل والخيانة, وهذا ماعرفناه لاحقاً أما في بداية عمر الطفولة فكان كل شيء عربي جميل وحتى الهزيمة كانت توحدنا ونشعر بإنتمائنا كلما زادت محنتنا. كنا نعيش على أمل العودة لساحة الحرب وبزعامة مصر الأم الكبيرة التي تحتضن كل العرب , ولكن مصر كانت مثقلة بهمومها وصراعاتها الداخلية والخارجية ومنها حرب اليمن التي كان لها دور كبير في هزيمة 1967، فلقد بدد جمال عبدالناصر وبسبب اشتراك مصر فى حرب اليمن فى الفترة من 1962-1967 احتياطى الذهب المصري بتوزيعه على القبائل اليمنية. وكنا في ذلك الوقت لا نعي أن هنالك صراعات غير الصراع العربي الإسرائيلي.

كانت هزيمتنا التالية هي وفاة الزعيم القومي جمال عبدالناصر. فلقد كان جمال يمثل لنا كل شيء وكان رمزاً قومياً وخطيباً بارعاً, وإني أذكر ذلك اليوم الذي توفي فيه سنة 1970 وأذكر حينها أننا ذهبنا إلى المدارس في الكويت ووجدناها مقفلة حزناً على وفاة الزعيم جمال عبدالناصر. ولأول مرة أبكي بكاءً سياسياً فلقد بكيت وأنا الطفل على جمال عبدالناصر وأنا لا أعرف سوى أنه بطل قومي ولا أعلم أن سجونه كانت تئن بآلاف العرب الذي يُدافع عنهم عبر الميكرفون وأمام الجماهير الحاشدة. 

في سنة 1973 ضُحِك علينا بانتصار وهمي ولم يكن هنالك نصر على الأرض فلقد كان شارون على بعد مئة كيلو متر عن القاهرة , وصحراء سيناء بقيت محتلة والجولان لازالت بقضبة إسرائيل فأي نصر هذا؟ نعم أن الإنتصار الحقيقي هو الموقف السياسي وبالأخص موقف الملك فيصل بن عبدالعزيز رحمه الله فلقد أمر بقطع البترول عن الغرب وهو مِفصل وزبدة الحديث , وحينها أدركت الدول الغربية أهمية استيعاب الدول النفطية بأي شكل من الأشكال , وبدأ تخطيط كيسنجر للسيطرة على المنطقة وبأسلوب ناعم. لقد أثرت الفترة التي قُطِع فيه البترول عن الدول الأوروبية وهنالك مؤلفات في الدول الغربية تتحدث عن فترة ( البرد الشديد) بسبب انقطاع النفط وتوافره في الاسواق الأوروبية في تلك الفترة. ولدي الكثير من الأصدقاء الأوروبيين ممن يذكرون تلك الفترة ويعترفوا أن الوضع كان سيئاً بسبب المقاطعة النفطية وأنهم كانوا يعانون من تلك الفترة, وهذا مؤشر على أننا نملك سلاحاً فتاكاً لكن بدون أن نستغله. وتم اغتيال الملك فيصل في سنة 1975 وكانت نكبة أخرى لنا كعرب لأنه كان مدافعاً شرساً عن الحقوق الوطنية وفلسطين.

وتتوالى الهزائم باتفاقية كامب ديفيد بين الرئيس المصري أنورالسادات ورئيس الوزراء الإسرائيلي ميناحيم بيغن والرئيس المريكي كارتر في المنتجع المشؤوم كامب ديفيد. ويذكر جيلي مدى الصدمة التي تلقيناها وخرجنا نحن طلاب الثانوية وممن لا نعرف ماهي المظاهرة في بلد لايعرف المظاهرات في سنة 1978 وفي يوم مُغبر يُجسد المناسبة , خرجنا لكي نُعبر عن غضبنا ولكن بطريقة فوضوية. وبقيت مصر الدولة الأم بعيدة عن القضايا العربية وفُرض عليها حصار ومقاطعة عربية دامت سنين طويلة.

ثم دخلت الدولة الجارة العراق بحرب عشوائية مع إيران, وأاستنزِف الخليج جميعه بهذه الحرب وخرجت العراق مُثخنه بالديون , وأول يد عُضت هي يد الكويت التي كانت رئة العراق التي تتنفس منها. وهُزمنا نحن العرب مرة أخرى بحرب عربية عربية سنة 1990 وشرخت الوحدة العربية وأصبحت هنالك محاور جديدة ودول ضد ودول مع, وتم استغلال القضية لأجل الانتعاش الإقتصادي في بعض الدول ولم يكن موقفاً مبدئياً بل مصلحياً بحتاً ولازلنا نعيش فترة خمول وعدم توازن إلى يومنا هذا.

نعيش الآن فترة إنتفاضات شعبية لانعرف لها بوصلة , ولكن تتجه نحو المجهول فتونس تترنح بإقتصاد سيء ومصر ضبابة وسوريا مظلمة واليمن تسير نحو الهاوية.

كيف لي أن أُنشيء جيلاً ينتصر وأنا مهزوم منذ ولادتي وكيف أرفع رأسي بسماء وطني العربي لكي أقول:

بلادُ العُرب أوطاني من الشامِ لبُغدان …. ومن نجدٍ إلى يمنٍ إلى مصرَ فتطوانِ

فلا حدُ يُباعدنا ولا دينُ يفرقنا …. لسان الضادِ يجمعنا بغسانِ وعدنانِ

فاليمن سيصبح أربعاً , فيمنٌ صالحي , ويمن حوثي , ويمن حراك جنوبي , ويمن أحمر , والسودان أصبح إثنان , والعراق مُحتلة , وتونس إلى المجهول , ومصر بلا دولة, و ليبيا تحت النار وستصبح دويلات مسلوبة الإرادة وتلتحق بالعراق , و سوريا في حرب على نفسها , ولبنان بدون حكومة منذ أشهر , والبحرين جَرحت نفسها , والمغرب لديها مشاكل مع الجزائر , والخليج يتهدده الخطر الإقليمي والدولي , والصومال ذابت في المحيط الهندي , وفلسطين محتلة , وغزة لازالت تحت الحصار والقائمة تطول. 

لا أحلم كثيراً, ولكني وُلِدت وأنا أسمع إذاعة صوت العرب و خُطب جمال عبدالناصر وصوت أم كلثوم وهي تُنشد أغانيها الوطنية في مدارسنا وكارم محمود وأمجاد ياعرب أمجاد. 

[email protected]

http://twitter.com/#!/HassanAlfadli

تعليق واحد

أضغط هنا لإضافة تعليق

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.