أقلامهم

جاسم الشمري: الاستبداد آفة ومرض عضال إن دب في مجتمع لم يسلمه إلا إلى الهلاك والخراب.

للاستبداد مساران: ذاتي بتضخم الأنا وخارجي بفعل البطانة
إقصاء الخصوم استبداد وتحييدهم سياسة
جاسم محمد الشمري 
إقصاء الخصوم استبداد وتحييدهم سياسة، ففي الحالة الأولى يعلو الرأي الواحد على الأمة ويسيطر الفكر الواحد على المجتمع فلا يعود لكائن فيه قرار أو مشاركة ولا يعفي وجود برلمان وانتخابات شكلية وحرية إعلام جزئية من تنامي هذا الاستبداد وهيمنته على مرافق الحياة المختلفة وبما يستتبعه من نهج حشد الأتباع بالهبات والعطايا والمنح ما يولد حالة فساد وإفساد تتجه من الأعلى إلى الأسفل ومن الأسفل إلى الأعلى في حركة ارتدادية قوامها محاولة كل طرف العمل على مسارين : تأمين مصالحه الخاصة وألا تؤلب عليه هذه المصالح متنفذين آخرين وليصبح المجتمع دوائر حول المستبد تضيق كل ما اقتربت منه ويمتد قطرها كل ما ابتعدت عن المركز غير أنها في مجموعها تدور في فلكه ولا تستطيع عنه فكاكا.
أما في الحالة الثانية، فإن التحييد ينتج عن مشروع تتفق عليه بعض الأطراف وترفضه أخرى وليصبح تداول الرأي قيمة مضافة في وعي المجتمع.
الاستبداد يولد في اتجاهين الأول ذاتي بفعل تنامي الأنا عند القائد أو الأفراد المشكلين للسلطة وهو ما يجعله معتدا برأيه وفكرته وغير متقبل أن يكون هناك بدائل أفضل عما اختاره هو وأصدق مثال على ذلك فرعون موسى الذي وصلت به الأنا إلى ادعاء الربوبية : أنا ربكم الأعلى ولذا لم تألف نفسه أن يأتيه رسول يخبره أنه على خطأ وأن رأيه ليس صوابا ما جعله يجهر بأن لا رأي لقومه إلا ما يريهم هو من نفسه وعقله فكانت عاقبة أمره الخسران أن قاد قومه إلى الهاوية والهلاك كما حكى ذلك لنا عنه الرب سبحانه وتعالي في محكم التنزيل.
أما الاتجاه الثاني فينشأ بفعل البطانة السيئة التي تحيط بالقائد أو الأفراد المشكلين للسلطة ومهمة هذه البطانة تزيين الأمر للقائد وموافقته على كل مرئياته دون تبيان سلبيات الأمر أو عواقبه أو الخيارات البديلة المتاحة التي ربما تحقق عوائد أفضل إن اعتمدت عما اقترحه القائد أو السلطة، وهذه البطانة لا تكتفي بموافقة السلطة على مرئياتها وإنما تذهب إلى أبعد من ذلك فهي من جهة تجمل لها هذه المرئيات ومن جهة تحجب عنها التداعيات السلبية التي قد تنتج عن تلك القرارات.
في الحالة الأولى ربما كان بالإمكان مجابهة ذلك الاستبداد إن امتلكت النخب المحيطة بالسلطة القوة لذلك فسحرة فرعون حينما استبان لهم الحق واجهوا فرعونهم بقوة غير آبهين باستبداده إلا أن الحالة الثانية تظل الأخطر لأنها تزرع الفساد في المجتمع فالنخب المحيطة بالسلطة تزين له الباطل وهي بدورها تتخذ حولها نخبا منتفعة وما حولها يشكل حوله مريدين فاسدين الأمر الذي يجعل من الفساد في المجتمع حالة عامة وقاعدة وليس استثناء يمكن التعامل معه فكل هذه الدوائر حريصة على تأمين مصالحها ولن يكون بالإمكان تحطيمها إلا بفعل انتفاضة شعبية أو بفعل تصادم هذه الدوائر ببعضها بعضاً لينتج عنها تآكل السلطة من الداخل.
وللاستبداد مظاهره الجلية فحينما يعجز الناس عن تحصيل حقوقهم رغم أن القانون يتيح لهم ذلك فإن ذلك يعني أن متنفذا ضمن الدوائر سالفة الذكر هو من يعترض تطبيق ذلك القانون وهو لا ينطق إلا بلسان من سمح له بذلك.
وحينما يلجأ الأفراد إلى الاستقواء بمعادلات ليس من بينها سيادة القانون فإن ذلك يعني أن الاستبداد وصل مراحل متقدمة لم يعد فيها الأفراد مطمئنين إلى أن بإمكانهم العيش بأمان خارج هذه المنظومة.
وحينما يلتئم الأفراد المعروف عنهم صلاحهم في اتجاه ما ثم يبدأ مسلسل التعريض بهم من قبل سقط المتاع دون أن تتحرك السلطة المنظمة للمجتمع إلى دعمهم فإن الاستبداد هنا وصل إلى مراحل متقدمة لم يعد يجدي به نصح ناصح أو توجيه حكيم.
الاستبداد ألا تبحث أو السلطة عن صالح الأمة وإنما يعمل جهده في الاستئثار بكل مفاصل ومناحي الحياة وحينها تتوقف مسيرة التطور ويتعطل العمل فالكل لا يبحث إلا عما يؤمن بقاءه هو دون غيره وقد يصل الأمر إلى التطاحن. الاستبداد آفة ومرض عضال إن دب في مجتمع لم يسلمه إلا إلى الهلاك والخراب إذ لا يكون هناك قيمة للكفاءة مقارنة بالولاء ولا قيمة للصدق في العمل مقارنة بالإخلاص في الطاعة.