كتاب سبر

سلاح الإعلام الشامل

من المعروف أن أسلحة الدمار الشامل تتمتلكها بعض الدول المارقة عن الإرادة الدولية, أو التي هي فوق الإرادة الدولية, وهذه الأسلحة كما سُميت شاملة فإنها تحرق النسل والزرع ولاتُبقى ولاتذر. وهنالك نوعيات مختلفة من هذه الأسلحة وهي الجرثومية والكيميائية والنووية, ولكن ظهر سلاح جديد وهو سلاح الإعلام الذي يعتبر سلاح دمار شامل, حينما يكون هنالك توجه معين ضد دولة أو حزب أو مذهب أو طائفة  أو فئة أو شخص. يعتبر سلاح الإعلام من أخطر أسلحة الدمار الشامل فهو يوجه الجمهور ويثيره ويستعطفه ويتلاعب بتفكيره ويُغير مفاهيمه ويدخل في معادلات دولية وإقليمية وتوجهات عقائدية أو أيدلوجية, ويفتعل الإعلام الكثير من الأحداث لتوجيه الجمهور من مناطق ساخنة الأحداث إلى مناطق باردة وبالعكس وذلك حسب مصلحة المُمول ومن ورائه من إمبراطوريات مالية وسياسية وعقائدية, وأيضاً حينما يُسوق الإعلام لشخصية معينه فإنه يُضلل الرأي العام ويُدمر المجتمع بتلميعه لهذه الشخصية أو تلك, ولا يتورع الإعلام المُعاصر عن فبركة الأحداث والكذب والتدليس, وذلك لعدم وجود الرقيب الذاتي ولعدم وجود مبدأ واضح ورسالة إعلامية شفافة.

كانت المحطات الأرضية الحكومية تمارس دوراً محدداً وخطاً واضحاً وهي أنها تقدم للمشاهد الرؤية الحكومية والقرار الحكومي والإملاءات الحكومية, وبدون أن تستعمل أساليب الضرب تحت الحزام أو الإنتقاص من الشخصيات العامة، ولكنها واضحة المعالم فهي محطة الحاكم والحكومة وهي أولاً وأخيراً محطات موجهه, ولكن حينما ظهرت المحطات الفضائية في بداية التسعينيات من القرن الماضي والتي كانت تتبنى وترفع شعارات تدعو إلى الحرية والرأي المُغاير والوضوح والشفافية وترفع لواء المظلومين والمضطهدين وصوت الشعوب بما يعنيه هذا المعنى من طرب لأذن من يبحث عن الحرية والديمقراطية والمساواة, فلقد إستبشرنا خيراً وراهنا على حقبة جديدة من إعلام شفاف وموضوعي وغير قمعي, ولكن مالم يكن بالحسبان هو تحول هذه المحطات الفضائية إلى أبواق ودكاكين سياسية تبيع المرتزقة من المحللين وأنصاف أنصاف الإعلاميين, وتُسوق لمشروعها الخاص سواء الفردي المصلحي منها أو الذي يحمل أجندة حزبية أو طائفية أو على مستوى سياسات دولية في المنطقة.

حينما نتابع الإعلام العربي نجد أنه أصبح سوقاً للنخاسة وإسترخاص شديد لعقل المشاهد وهبوط للمثقف والمُحلل الذي يبيع ضميره وتاريخه أحياناً لهدف ما لسنا بصدده, ولكن من المثير أن هذه المحطات الفضائية أصبحت مكشوفة للمتابع فهنالك جنود جاهزون في كل محطة فضائية ولكل مناسبة فمثلا لدينا في المحطات المحلية هنالك وجوه ثابتة تجدها في كل مصيبة وهي تُحلل وتُسمم الجو العام من إثارات طائفية وقبلية وشخصية أحياناً. ولكل محطة يوجد كتيبة جاهزة للهجوم على الخصم وحسب الطلب والوقت والتوقيت الذي يحدده مالك المحطة ومن ورائه من جحافل مالية وحزبية.

لقد أُبتلي الإعلام العربي بأنصاف أنصاف المثقفين. فالإعلام العربي الحديث  أصبح مسرحاً هزلياً وبدون إعلام  , فلاتوجد موضوعية ولا كلمة حق ولكنها إصطفافات حزبية وطائفية ضيقة,  وأصبحت الكتائب الإعلامية منتشرة على طول وعرض الوطن العربي, فلكل محطة قوات خاصة “Special Forces”. تحركها في أوقات الضرورة سواء للتسقيط أو للترفيع أو لتغيير وجهة  النظر للعامة أو لتسويق مشروع إقليمي أو دولي أو للتغطية على حدث ما.
لا تقل أهمية الإعلام عن السلاح النووي أو الجرثومي فبإمكان الإعلام  أن يتبنى بعض القضايا ويضخمها, ولربما يتجاهل قضايا ويوئدها وبذلك فإنه يُمارس نفس فعل سلاح الدمار الشامل إن لم يكن أنكى وأشد, فمثلاً حينما تتبنى مؤسسة إعلامية ما توجهاً ضد اليمن مثلاً أو مصر أو سوريا أو ليبيا أو الخليج فإنها تنظر من خلال مصلحتها الذاتية وليس من خلال مصلحة الشعب الذي تتبنى قضيتة ولا تستشعر معاناة المواطن, بل تنظر فقط من خلال أجندتها الخاصة الضيقة.

يوجد لدينا مئات المحطات العربية في فضاء الحرية الغير مُقننه,ولكن أجزم أنه لاتوجد محطة واحدة تحترم عقل المشاهد فهي تخاطب كل الغرائز وكل الأحاسيس ولكنها تفتقد لمخاطبة العقل والضمير.
[email protected]
http://twitter.com/#!/HassanAlfadli

أضف تعليق

أضغط هنا لإضافة تعليق

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.