حوارات

حذرت من أن البلد يتجه الى العسكرة بدلا من ترسيخ دولة المؤسسات
العثمان لـ((سبر)): السلطة لم تبرح عداءها التاريخي ضد الديمقراطية

*أنيميا حادة في الثقافة الديمقراطية وضمور القيم وتكلس المؤسسات وتيبس المجتمع المدني.. أمراض الكويت  
* “كلونا البدو”.. عبارة عنصرية شوفينية لا تمت بصلة لقيم الدولة المدنية  
* ابتلينا بعقلية المشيخة السياسية والمشيخة الدينية والقبلية والطائفية
*الاتحاد الخليجي مرفوض.. دول بنيانها آيل للسقوط فكيف سيؤسس اتحاد راسخ وأنظمته سلطوية أبوية رعوية؟
* كل من يعتقل هم أصحاب الرأي ..الفاسدون يسرحون ويمرحون 
* الديمقراطية التي لا تحمي الحريات والأقليات لن تجلب إلا دكتاتورية الأكثرية 
* هل الليبرالية تعني عداء الدين؟… للأسف مفاهيم مغلوطة لدى المجتمع 
* نحمل الحكومة السلطوية مسؤولية التقهقر والفساد والتخبط 
* “مجموعة 29” رصدت حالات عديدة لانتهاكات حقوق الأطفال البدون 
شخصت عضو مجموعة 29 والكاتبة الصحافية لمى العثمان سبب الازمة السياسية الطاحنة في البلاد ، وأبدت رأيها بصراحة مطلقة حيث رأت ان البلد ” يتجه  الى العسكرة بدلا من ترسيخ دولة المؤسسات والعمل على استكمال المشروع الديمقراطي”.

وقالت العثمان في حوار جريء مع ((سبر)) ان ما يحدث “هو امتداد لنهج السلطة العدائي التاريخي للديمقراطية.. ومن يعود للتاريخ ويسترجع شريط الأحداث منذ الخمسينيات وتاريخ النضال الرافض للحكم المتفرد، يفهم جيدا أن الصراع على ترسيخ الديمقراطية لا يزال مستمرا منذ مرحلة ما قبل الاستقلال وما بعده، وأن السلطة لا تؤمن بالديمقراطية”.
واعتبرت ان الصراع المتسيد للساحة “هو صراع الفساد مع الفساد والاستبداد مع الاستبداد، والجبهتان ترفعان الدستور فوق أسنة الرماح”.
“كلونا البدو”.. عبارة نهت الى سمع العثمان بوقع العنصرية والشوفينية البدائية  التي لا تمت بصلة لقيم الدولة المدنية والثقافة الانسانية.
وأبدت رفضها المطلق  لفكرة الاتحاد الخليجي”  لأن بنيان هذه الدول هو بنيان متهالك آيل للسقوط، فكيف سيؤسس اتحاد راسخ ناجح وأنظمته سلطوية أبوية رعوية غير ديمقراطية؟”.
عدة أمراض تؤكد العثمان ان الكويت مصابة بها  “فنحن نعاني من أنيميا حادة في الثقافة الديمقراطية وضمور القيم وتكلس المؤسسات وتيبس المجتمع المدني”، مضيفة: توطنت الأمراض الاجتماعية كالطائفية والعنصرية والرعوية، وهي أمراض مدمرة للمجتمعات”، ليس ذلك فحسب بل تزيد الشعر بيتا وتقول ” ان المجتمع يعاني من مرض الشوفينية العضال نتيجة غياب قانون يجرم الكراهية والتمييز العنصري”.
وعددت العثمان أسباب غياب الركائز الأساسية للديمقراطية مثل تداول السلطة والأحزاب السياسية واستقلال السلطات والفصل بينها، موضحة أن الديمقراطية التي لا تحمي القيم الفردية والحريات وحقوق الانسان والأقليات “لن تجلب إلا دكتاتورية الأكثرية والعنصرية والطائفية والاقصاء”.
“هل الليبرالية تعني عداء الدين؟”.. سؤال من العثمان هو رد على سؤال بشأن انتهاج الليبرالية في مجتمع متدين ، مؤكدة ان تلك المفاهيم مغلوطة لدى المجتمع، مشيرة الى أنها تنادي بالليبرالية الاجتماعية وهي فلسفة أخلاقية تهتم بالانسان وحقوقه، وتسعى من أجل استقلاله وعتقه وتحريره من الاستبداد والقهر والطغيان.
وانتقدت سعي الأغلبية في مجلس 2012 لتغيير المادة 2 والمادة 79 في محاولات للانقلاب على الدستور والدولة المدنية.لافتة الى أننا “ابتلينا بعقلية المشيخة السياسية كما ابتلينا بعقلية المشيخة الدينية والقبلية والطائفية”… وهنا التفاصيل:
* من خلال كتاباتك تبدين متشائمة من الحالة الكويتية بشكل عام.. ما هي دواعي هذا التشاؤم؟
ما نراه ونشهده هو تحول البلد الى العسكرة بدلا من ترسيخ دولة المؤسسات والعمل على استكمال المشروع الديمقراطي.
وهو امتداد لنهج السلطة العدائي التاريخي للديمقراطية.. ومن يعود للتاريخ ويسترجع شريط الأحداث منذ الخمسينيات وتاريخ النضال الرافض للحكم المتفرد، يفهم جيدا أن الصراع على ترسيخ الديمقراطية لا يزال مستمرا منذ مرحلة ما قبل الاستقلال وما بعده، وأن السلطة لا تؤمن بالديمقراطية، ولازالت تؤمن بالنهج السلطوي العشائري الذي تمارسه عبر التاريخ. 
أن يسجن أصحاب الرأي والمطالبين بحقوقهم بينما يبقى سراق المال العام والنواب المتضخمة حساباتهم يسرحون ويمرحون هو أمر لا يحدث إلا بالدول القروسطية العشائرية، لم نسمع عن محاسبة للفاسدين أبدا، كل من يعتقل ويسجن هم أصحاب الرأي والمطالبين بحقوقهم المشروعة.
في كل المجتمعات الحية يكون صراع الثنائيات المتضادة بمثابة الوقود الذي يحرك المجتمعات إلى الأمام، كصراع الحداثة والتقليد أو العقل والجهل أو الحرية والاستبداد، أما الصراع المتسيد للساحة فهو صراع الفساد مع الفساد والاستبداد مع الاستبداد، والجبهتان ترفعان الدستور فوق أسنة الرماح.
وقد تكالب هذا الصراع على قيم الديمقراطية والحريات وحقوق الأقليات لن يكون التغيير، هذا ان بدأنا اليوم، بين ليلة وضحاها بل حتما سيأخذ سنوات عديدة من العمل الشاق المضني سياسيا وفكريا. 
نحتاج لتيار أنسني لا يتحالف مع السلطة السلطوية ولا مع التيار الاسلامي السلطوي، تيار لا ينشغل بالانتخابات ولا يأبه للقواعد ولا يجامل ولا ينافق، تيار غير هلامي يصنع فكر صريح وخط واضح وجريء يجابه به كل التيارات السلطوية المتسيدة للساحة. فما نحتاجه حقا هو معارضة فاعلة ذات مبدأ لا يتجزأ تسعى إلى استكمال مسيرة النضال الشعبي الذي بدأه الأحرار من المعارضين القدامى.
فالديمقراطية لا تعترف بأنصاف الحريات، والحريات السياسية والحريات المدنية والاجتماعية كل لا يتجزأ، ولا يمكن أن تستقيم الديمقراطية مع تركيز السلطات في سلطة أبوية واحدة، ولا يمكن أن تستقيم مع تعطيل دور الرقابة الدستورية على دستورية القوانين التي تشرع كي نعالج تجاوز السلطتين على الدستور وحرياته.
فتح أبواب الديمقراطية الموصدة وتجاوز الانسداد السياسي أقل ضررا من كبح تطورها الطبيعي لأن الديمقراطية الحقة تعالج نفسها بنفسها لاسيما مع تفعيل المادة 175 التي تقر أن التعديل لا يكون “إلا لمزيد من الحريات”.
* هل ترين ان الدولة تعيش بالفعل حالة مرض نادر (وفقاً لتعبير البعض)؟ وكيف تشخصين هذا المرض؟
بالفعل نحن نعاني من أنيميا حادة في الثقافة الديمقراطية وضمور القيم وتكلس المؤسسات وتيبس المجتمع المدني.
فتوطنت الأمراض الاجتماعية كالطائفية والعنصرية والرعوية، وهي أمراض مدمرة للمجتمعات ومهددة لبقائها واستقرارها، المجتمع يعاني من مرض الشوفينية العضال نتيجة غياب قانون يجرم الكراهية والتمييز العنصري.
* ايضاً انت لا تعترفين بوجود ديموقراطية في الكويت (وفقاً لمقال لك بعنوان: الديموقراطية بغير الليبيرالية تدمر الوطن)… اذن ماذا تسمين وجود برلمان منتخب وصحافة حرة وهامش واسع من حرية الرأي؟
نعم ديمقراطيتنا التي لا تشبه أي ديمقراطية في العالم، تشبه لعبة المتاهات التي حبسنا داخل ممراتها ولم نجد لها مخرجا، هي ديمقراطية ممكن أن نسميها “ديمقراطية الارتطام بالحائط” أو “ديمقراطية الطريق المسدود” أو “ديمقراطية الأبواب الموصدة”.. وهي ديمقراطية معلولة مغلولة، تعتمد في نهجها على شراء الولاءات، لأنها الطريقة الوحيدة للحكومة لكسب التحالف معها في ظل التشوهات التي تعاني منها الديمقراطية الكويتية من غياب الركائر الأساسية للديمقراطية الحقة مثل تداول السلطة والأحزاب السياسية واستقلال السلطات والفصل بينها وإيجاد آلية لمراقبة دستورية القوانين التي تشرع كتفعيل حق التقاضي أمام المحكمة الدستورية للطعن بدستورية القوانين.
فالديمقراطية التي لا تحمي القيم الفردية والحريات وحقوق الانسان والأقليات لن تجلب إلا دكتاتورية الأكثرية والعنصرية والطائفية والاقصاء، فتصبح الديمقراطية ذاتها مهددة من قبل الفكر الاحادي الاقصائي الذي يأتي للسلطة من خلال الديمقراطية ويفرض رؤاه الخاصة على الجميع وهو بذلك يدمر جوهرها ويبقي قشورها.
* تنادين بدولة ليبرالية بينما النسبة الغالبة في المجتمع يغلب عليها التدين.. لماذا لا تضعين اعتباراً لهذه المسألة؟
وما علاقة التدين بما أنادي به، بل على العكس ما أنادي به وينادي به غيري هو من أجل حماية الدين وحرية التدين.. وهل الليبرالية تعني عداء الدين؟ تلك مفاهيم مغلوطة لدى المجتمع للأسف…
أنادي بالليبرالية الاجتماعية وهي فلسفة أخلاقية تهتم بالانسان وحقوقه، وتسعى من أجل استقلاله وعتقه وتحريره من الاستبداد والقهر والطغيان، فهل يمكن أن تستقيم الديمقراطية دون قيم التعددية والتسامح والحريات السياسية والمدنية وحرية الاعتقاد، وهي قيم ليبرالية معنية بالعدالة والحرية والكرامة الانسانية وتحارب التعصب والتطرف والاستبداد بكل أنواعه سواء السياسي أو الديني أو الاجتماعي، أما معاداة القيم الليبرالية فلن تنتج إلا نقيضها من قمع وإكراه وتسلط.
* تحملون من تسمونه التيار الديني أسباب تراجع الدولة.. لماذا لا يكون السبب هو النهب المنظم لمقدرات الدولة، والبيروقراطية المتفشية، والعجز الحكومي .. الخ؟
لا بل نحمل الحكومة السلطوية أولا واخيرا مسؤولية التقهقر والفساد والتخبط.. لدينا حكومة سلطوية وأغلبية سلطوية وأقلية سلطوية.. فأداء أغلبية مجلس 2009 (وهم أقلية مجلس 2012) كان مخزيا ومعيبا.
كما ان أداء الأغلبية في مجلس 2012 كان سلطويا حتى النخاع وما استماتهم لتغيير المادة 2 والمادة 79 الا محاولات للانقلاب على الدستور والدولة المدنية.. الخلاصة أننا ابتلينا بعقلية المشيخة السياسية كما ابتلينا بعقلية المشيخة الدينية والقبلية والطائفية، ولا سبيل إلا بالالتفات لاستحقاقات الاصلاح السياسي والاصلاح الديني على حد السواء. 
* تحدتثِ في مقال لك عن “الثقافة الجويهلية” فماذا تقصدين بها؟
أقصد بها الثقافة العنصرية المريضة.. وممثلها النائب السابق محمد الجويهل الذي وصل للمجلس عبر خطابات الكراهية والازدراء،  وهو خطاب جاهل مدمر متعال لا وطني.
* عبارة “كلونا البدو”.. مارأيك بها؟ 
عبارة عنصرية شوفينية بدائية لا تمت بصلة لقيم الدولة المدنية والثقافة الانسانية.
* الدعوة الى اتحاد خليجي هل ترينها مسألة مجدية؟ وهل تعتقدين ان الانظمة الخليجية تتعامل بجدية مع هذه المسألة؟
لا أويد اطلاقا الاتحاد الخليجي، لأن بنيان هذه الدول هو بنيان متهالك آيل للسقوط، فكيف سيؤسس اتحاد راسخ ناجح وأنظمته سلطوية أبوية رعوية غير ديمقراطية؟ وكيف سيحمي الاتحاد مصالح شعوبه وأنظمته لا تؤمن بقيم المواطنة والحريات المدنية والسياسية والعدالة الاجتماعية وحقوق الانسان وحقوق الأقليات؟
فالقرارات التي سيتخذها الاتحاد لن يعكس طموح الشعوب لأن معظمها لا تتمتع بمشاركة سياسية ورقابة فاعلة؟ إصلاح الأنظمة داخليا والاستجابة لاستحقاقات الاصلاح السياسي هو شرط ضروري لتأسيس اتحاد ناجح يمثل الشعوب لا الأنظمة التي تنتهك الحريات المدنية والسياسية وتغرق في مستنقع الفساد ووحل الطائفية والمذهبية. 
* من خلال رصد وتوثيق انتهاكات حقوق الأطفال البدون، فما هي الحالات التي رصدت من قبلكم؟
شكلنا في “مجموعة 29” فريقاً للبحث والتوثيق الميداني لرصد وتوثيق انتهاكات حقوق الأطفال البدون. ورصدنا حالات عديدة لانتهاكات حقوق الطفل وهي حق الهوية، وحق التعبير والتجمع السلمي، وحق الرعاية الصحية وحقوق الطفل المعاق، وحق التعليم، وحق الضمان الاجتماعي والحماية من الاستغلال الاقتصادي. وجميعها انتهاكات لبنود اتفاقية حقوق الطفل التي صادقت عليها الكويت وأصبحت ملزمة في تنفيذها.
 
* بعد مدة طويلة من العمل الشاق في رصدكم انتهاك لحقوق الاطفال البدون، هل هناك تفاعل جدي من قبل الجهات الحكومية في معالجة الأمور التي ذكرت في تقريركم؟
نتمنى أن تلفت له الجهات المعنية في حل هذه القضية، وأن تتخلى عن حلولها الأمنية التي فشلت فشلا ذريعا في حل القضية، وأن تفهم معنى الأمن الانساني الحديث.. فأمن الانسان هو أمن للوطن.
* انت منسق فريق البحث والتوثيق الميداني في مجموعة 29، فما هو الشيء الذي استغربت له كثيرا او تأملت عنده طويلا؟
في البداية أود أن أعبر عن اعتزازي وامتناني للفريق الذي عمل بتفان واخلاص بدون مقابل وهم: بشاير عبدالرزاق، زينب معرفي، فلاح الثويني، مشاعل الشويحان، هديل بوقريص، يوسف الباشق. 
أما الأمر الذي صدمنا فهو الانتهاكات الخطيرة التي يتعرض لها الكويتيين البدون، وهي انتهاكات لا يمكن السكوت عنها أبدا.
وقد جاء التقرير بالنتائج التالية: أن الكويتيين البدون يعانون من أوضاع معيشية صعبة لاسيما أن ما يسمى ب”المزايا” (بينما التسمية الحقيقية “الحقوق”) لم تطبق بشكل فاعل وحقيقي، أما الفئة المحرومة من أي حماية وحقوق هي الفئة التي لا تمتلك بطاقة أمنية صالحة (مثل غير المسجلين في الجهاز المركزي ومن رفض الجهاز تجديد بطاقته وأصحاب القيود الأمنية والجوازات المزورة)، وهي الفئة المحرومة من حقوق انسانية أساسية كفلتها اتفاقية حقوق الطفل. كما يعاني الاهالي من أعباء الرسوم الاضافية التي تفرضها المدارس ذات المباني المتهالكة والكثافة الطلابية العالية كما أنها تفرض العزل الاجتماعي بتمركزهم في تلك المدارس.
بالإضافة إلى ذلك، المعاقون البدون من كل الفئات لا يشملهم قانون رقم 8/2010 في شأن حقوق الأشخاص ذوي الإعاقة، ومحرومون من أي رعاية أو علاج تأهيلي. كما تم رصد حالات عديدة لأطفال بدون يبيعون في الشوارع تحت أشعة الشمس، بعضهم ترك مقاعد الدراسة كي يعيل أسرته، وبعضهم الآخر يقبض عليه ويقطع رزقه دون أن تقدم الدولة بدائل فاعلة لرفع المستوى المعيشي للأطفال وذويهم.
أما بعض توصيات التقرير فقد جاءت لتؤكد ضرورة تنفيذ بنود اتفاقية حقوق الطفل، وإلغاء السياسات التضييقية والتصديق على الاتفاقية الدولية لعديمي الجنسية ومنح القضاء الحق في النظر في منازعات الجنسية بما يفعل المادة 166 من الدستور الكويتي الذي ينص على أن “التقاضي حق مكفول للناس”. 
تتوفر النسخة الكاملة للتقرير الميداني باللغة العربية أو الانجليزية في الموقع الالكتروني لـ”مجموعة 29″: http://group29q8.org/