يُعتبر مستقبل الربيع العربي (الثورات العربية) ضبابياً ولايزال جسماً طرياً ولقمةً سائغة لأي جهة للتأثيرعليه وسحب البساط من تحت أقدام من قاموا بهذه الثورات التي قد تفقد بوصلتها ومسارها الوطني , ولدى المجتمع الدولي فرصة حقيقة للتأثير على نتائج هذه الثورات من خلال الدعم المادي الممزوج بالقبول بأجندات خاصة تعني بالمصلحة الغربية بالمقام الأول. من خلال إجتماع الدول الصناعية الثمان الأخير بحضور جمهورية مصر العربية وتونس والدعم المالي المُفرط والصندوق الذي بلغ عشرين مليار دولار لتونس ومصر يبدو للمتابع أن هنالك شيئاً ما وأجندة غربية للإلتفاف حول هذين الثورتين اللتين كانتا فلتة من فلتات الحاضر العربي الغريب , ونجاحمها لم يأتي بالضرورة على حسب هوى الغرب والولايات المتحدة الأمريكية . إن هذا الإلتفاف والدعم السخي كان لدعم الديمقراطيه والتغيير في هذين البلدين ولكن هذا الدعم لابد أن تكون فاتورته التي يجب أن تُدفع .
هنالك تغير واضح في السياسات الغربية وطرق إحتيالية وإلتفاف على كل تغيير في منطقة الشرق الأوسط , فالغرب هنا يعمل بديناميكية جديدة وهي الدعم من القاع إلى القمة , فبدلاً من أن تدعم القمة وهو الحاكم إلتفّت لتدعم القاع وهو الشعب وإيهامه بحقوق الإنسان وتعزيز الديمقراطية والدعم المادي ورعاية ثورته , ولم يكن خطاب أوباما التاريخي في القاهرة في سنة 2009 إلا مثالاً لسياسة تسويق الولايات المتحدة الأمريكية والديمقراطية الغربية ومخاطبة الشعوب بلغة عربية وبالسلام المزيف الذي بدأ بها خطبته الشهيرة, ولقد خلق الخطاب أثاراً وتوقعات كثيرة من قبل الجمهور العربي المُتعطش للحرية والديمقراطية والمساواة والخلاص من الحاكم الذي يجثم على أنفاسه.
من الملاحظ أن الولايات المتحدة الأمريكية والغرب قد تخلت عن حلفائها كالرئيس محمد حسني مبارك وزين العابدين بن علي وهي سقطة كبيرة فمن شبه المستحيل أن يكون البديل بأفضل من الرؤساء السابقين اللذان خدما المشاريع الغربية في الشرق الأوسط طوال العقدين الثلاث الماضية , ولم يكن هنالك خياراً آخر سوى أن تتبنى الدول الغربية والولايات المتحدة إسلوب الإلتفاف وتأييد التغيير الديمقراطي و الإنتقال السلمي للسلطة كما يستهويها أن تسميه . إن التغيير الذي حدث في المنطقة هو بسبب الضغط والزحف الشعبي الغير مسبوق وليس بسبب الدعم الخارجي أو الدبابة الأمريكية أو الفرنسية تحت غطاء حلف الناتو.
تعتبر جمهورية مصر العربية محور ومثال لمستقبل الربيع العربي فهي تختلف عن الثورة التونسية بنظامها وحجمها وأحداثها المُمتالية , ولكن هذا التغير جاء بالتأكيد كان على حساب قوى إقليمية ومنها المملكة العربية السعودية وإسرائيل. لقد تم تغييب دور مصر التاريخي والقومي خلال الثلاثين سنة الماضية وتم مليء الفراغ للدور الكبير لمصر بدول أخرى كسوريا والمملكة العربية السعودية ولكن لم تكن سوريا المثال الجيد وذلك لإنكفائها وأيدلوجيتها الخاصة وإقتصادها المُتواضع , ولعبت المملكة العربية السعودية الدور الأهم في ظل وجود سياسيين مثل الأمير سعود الفيصل , وهذا الدور لن يُلغى بعودة مصر لدورها الإقليمي والقومي ولكن سوف يُقلص الدور السعودي في المنطقة وهي الحليف الإستراتيجي للولايات المتحدة الأمريكية. الأثر الآخر هو إنفراط عقد التحالف الإسرائيلي المصري الأردني حيال القضايا المشتركة وفقدان حليف كمصر ( حسني مبارك) هو خسارة فادحة لإسرائيل نظراً لفتح جبهة أخرى غير مأمونة الجانب على الجانب المصري والإمتداد الجغرافي على الحدود مع غزة وفتح المعابر والمُتنفس الفلسطيني الجديد.
إن النظام المصري الجديد لا بد أن يُعبر عن المزاج الشعبي الذي يدعم القضايا العربية والقضية الأهم وهي قضية فلسطين والذي بدأت إرهاصاته من خلال المظاهرات أمام سفارة إسرائيل في القاهرة وأيضا المطالبة بقطع العلاقات مع إسرائيل وهذا ماسبب الذعر لإسرائيل وحليفتها الولايات المتحدة الأمريكية لذلك لم يأت الدعم الغربي والمليارات لدعم الديمقراطية والنمو الإقتصادي والإجتماعي بل هو ثمن لفاتورة وأد الثورة بطريقة أو بأخرى وإلتفاف على أي تغير إيجابي بإتجاه القضايا العربية.
اللافت للنظر أن الأجندة الغربية الأمريكية إختلفت في ليبيا وفي سوريا , ففي جلسة دول الثمان التي إنعقدت لاحقاً طالب الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي الرئيس أوباما بإتخاذ إجراءات أكثر حزماً من قبل الولايات المتحدة تجاة ليبيا , ولكن أمريكا تحاول أن تترك للقذافي القدرة للدفاع ولم تسعى بشكل مباشر لإسقاطه , بل إنسحبت تكتيكياً وبعد إسبوعان من بدء الحرب على ليبيا ولم تُبدي أية جدية للإطاحة بالعقيد القذافي. والشأن ذاته في سوريا فعلى الرغم من التصعيد الإعلامي المُقنن للغرب حيال سوريا إلا أنها لاتسطيع أن تتخذ إجراءً مباشراً وذلك لعدم جهوزية إسرائيل لحرب حالية قد تفتعلها القوى المساندة للنظام السوري أو حتى إستغلال هضبة الجولان للتصعيد وبالتالي المساومة مع النظام السوري. إن الجار السوري لإسرائيل كان جاراً مزعجاً, ولكن لم يكن جاراً مثيراً للرعب , ومع وجود فوضى في المنطقة فلاتستطيع إسرائيل أن تتنبأ بالقادم الجديد. إن الهدف الذي تسعى له الدول الغربية والولايات المتحدة حالياً هو السعي لإضعاف جميع القوى وإنهاكها وأيضاً لكي تتبلور صورة واضحة عن مايُسمى بالربيع العربي.
من خلال إزدواجية المعايير الغربية والتي هي أساس تكوينها وديمومتها نجد أن الدعم اللوجستي والمالي والإعلامي يكون مرتكزاً على هدفٍ واحدٍ فقط وهو ( المصلحة) وهنا لا ننتقد هذه الدول إن كانت تبحث عن مصالحها الوطنية وتسويق أسلحتها وبضائعها , ولكن ما ننتقده هو اللعب على كل الأوتار العربية التي تملك أرضاً خصبة لكل لعبة غربية وعدم فهم العقلية الغربية والإنخداع بالإعلام الغربي والخطاب الغربي المدروس بشدة.
أضف تعليق