كتاب سبر

“حزاية “علماء البلاط

شاهدت على اليوتيوب أحد المشايخ يخطب بالمصلين ويزعق بهم بضرورة احترام العلماء وأن الشباب لم يعودوا يقيموا وزناً لهم، وأنهم يخالفونهم فيما يفتونهم به، ثم يُرجع ذلك إلى تغرير البعض بهؤلاء الشباب، وأنه ينصح الشباب بالإعراض عما يقوله هؤلاء المغرضون، والالتفات إلى ما يقوله العلماء…
وأقول:
لاشك في أن الأمة مطالبة باحترام علمائها، وأنها لابد أن ترجع فيما لا تعلمه إلى علمائها امتثالاً لقوله تعالى: “فاسألوا أهل الذكر إن كنتم لاتعلمون” ..لكن الأمة اليوم مصابة بأهل الذكر من علمائها، فأزمة الثقة بينهم وبينهاعلى أشدها، لأن المصداقية قد عبث بها تسييس الفتوى، هذه المصداقية التي تستمد منها الفتوى قوتها وأثرها.
فالناس اليوم عامة، والشباب خاصة ينظرون إلى العالم أنه “خياط” يفصل حسب مقاس الرغبة، بل ربما جعل للثوب الواحد جهتين يُلبس منهما”قلبه وعدله”، وإلا فما معنى ماسبق من الفتوى، أن يكون القتال مرةً جهاداً ومرةً ضلالاً فقط باختلاف المُقاتَل !! أي حينما يكون روسياً يكون جهاداً، فإذا كان أمريكياً كان ضلالاً !!
كيف يُسمع لصاحب هذه الفتوى، وكيف يُطالب الناس باحترامه حينما يسقطه هو عن نفسه؟!
ومن الناس من يرى العالم بصورة الموظف المرؤوس الذي يعمل لأجل راتبه، ويطبق اللوائح الداخلية لإدارته. ولماذا يراه بهذه الصورة؟! لأنه لا يراه يخرج عن لوائح السلطة وتعليماتها، فهو يطبق التعميمات، ويخشى لفت النظر والإنذارات !!
إذن مادامت هذه الصورة هي الأصل الغالب لعلماء اليوم، فمن أي زاوية ينظر الشاب المتوثب ليجد الاحترام؟!
إن “حزاية” طاعة ولي الأمر المطلقة قد كبِر عليها الشباب وأصبحت لاتصلح “لما قبل النوم”  بل إن كثيراً من الشباب أصبح ينظر إليها أنها خرافة، وبالأخص حينما يقرأون مثل هذه الفتيا عن أحد كبار العلماء التي تقول:” إن ما يحدث في دول العالم العربي اليوم هو نتيجة عدم طاعة ولي الأمر”.
أي أن هذه الشعوب لابد أن تطيع بن علي في قمعه، ومبارك في نهبه، والقذافي في كفره، وبشار في زندقته، ولك أن تتصور الشاب المتوثب يتصور هذا المعنى اللازم لهذه الفتيا، فأي احترام يبقى بعد كل هذا الاستخفاف بالعقول؟!
إنني كثيراً ما أقول: إن تكريس الطاعة بمثل هذه السطحية، لهو حقيق بالاستخفاف بهذه الطاعة، وبالداعي لهذه الطاعة ونحن نرفض ذلك، بل نقول بالطاعة في الحدود التي ارتضاها الحاكم والمحكوم من خلال ما ارتضوه من الدستور بعد أن عطل الشرع كليةً، أو أُعمِل بعضه صورةً.
أليس الدستور عقداً بين الحاكم والمحكوم؟ وأليس العقد شريعة المتعاقدين؟!
إن مما يدعو الشباب لعدم الالتفات إلى كثير من العلماء، كون الأمر واضحاً لايحتاج لإيضاح، ثم يرى العالم مخالفاً لهذا الذي لايحتاج لإيضاح!!
إن العالم حينما يريد أن يُسمع له، لابد أن يكون على مسافة واحدة بين الحاكم والمحكوم، فهو أشبه ما يكون بين خصمين، فإذا شعر الشباب بهذه المنزلة التفتوا إليه وسمعوا له، وإلا فهم بعيدون أن يلتفتوا إليه أو يسمعوا له.
إن الدعوة لاحترام العلماء، لاتكون بإضفاء القدسية على كلامهم، والتحذير من مغبة مخالفتهم، بل تكون بقدر ما يبديه العلماء من حكمة، وشجاعة، وكسب مواقف تعزز الثقة بهم، وتدعو للاستماع لهم حين الإصلاح، أماأن يكون العالم نسخةً أخرى للحاكم فحينئذٍ سيكون:” فيك الخصام وأنت الخصم والحكم”.!!

أضف تعليق

أضغط هنا لإضافة تعليق

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.